الثاني: تحريف اللفظ
وهذا هو الطريق الثاني لردّ هذا الحديث، قد قرأنا بعض الألفاظ، وعرفتم كيف يكون التحريف.
أمّا أحمد بن حنبل، فقد قرأنا لفظ الحديث من كتاب فضائله أو مناقبه، فلنقرأ لفظ الحديث في مسنده فلاحظوا:
قال: سمعت أنس بن مالك وهو يقول: أُهديت لرسول اللّه ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتت به ـ كلمة الخادم تطلق على المرأة والرجل ـ فقال لها صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألم أنهك أن ترفعي شيئاً، فإنّ اللّه عزّوجلّ يأتي برزق كلّ غد».
هذا هو الحديث في مسند أحمد(1).
ولك أن تقول: لعلّ هذا الحديث في قضيّة أُخرى لا علاقة لها بحديث الطير.
لكنْ عندما نراجع ألفاظ الحديث نجد بعض ألفاظه بنفس هذا اللّفظ وبنفس السند الذي أتى به أحمد، وفيه ما يتعلّق بعليّ عليه السّلام وكونه أحبّ الخلق إلى اللّه إلى آخره، نعم، كنت أتصوّر أنّ هذا الحديث وارد في قضيّة لا علاقة لها بحديث الطير الذي نحن نبحث عنه، هذا تبادر إلى ذهني لأوّل وهلة، لكنّني دقّقت النظر في الأحاديث فوجدت الحديث حديث الطير، إلاّ أنّه جاء به بهذا الشكل، وهل الذي جاء في مسند أحمد من أحمد نفسه أو النسّاخ أو الطابعين لكتابه؟ اللّه أعلم.
وأبو الشيخ الإصفهاني الذي ذكرناه مراراً، يروي هذا الحديث وفيه ما يتعلّق بأمير المؤمنين عليه السّلام، إلاّ أنّ ما يتعلّق بأنس، وكذب أنس، وخيانة أنس، هذا محذوف ومحرّف، لاحظوا:
عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول اللّه طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير»، فجاء علي فأكل معه، ثمّ هو يقول: فذكر الحديث انتهى(2). وكأنّه يريد أنْ يحفظ الأمانة فلا يخون يضع كلمة: «فذكر الحديث».
ومن العجيب إسقاط بعضهم كلا الفقرتين، ما يتعلّق بعليّ وما يتعلّق بأنس، فأسقط كلتا الفقرتين، وجاء فقط بذلك العذر الذي ذكر أنس في آخر القضيّة:
عن أنس عن النبي قال: «لا يلام الرجل على حبّ قومه».
حينئذ، يقول ابن حجر العسقلاني: «هذا طرف من حديث الطير»(3).
(1) مسند أحمد 3 / 198.
(2) طبقات المحدّثين باصبهان 3 / 454.
(3) لسان الميزان 5 / 58.