في نقاط في متنه
في هذا الحديث نقاطٌ تتعلّق بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وبالوصيّ أمير المؤمنين وبالشيخين أبي بكر وعمر.
* أمّا النبيُّ صلّى اللّه عليه وآله، ففي الحديث بعض معاجزه وعلمه بالمغيّبات.
فقد اتّفقت النّصوص على أنه لمّا اُتي بأمير المؤمنين وهو أرمد وضع صلّى اللّه عليه وآله من بصاقه على عينيه، فبرأ عليه السلام كأنْ لم يكن به شيء… .
وأنّه دعا لعلي فقال: «أللهم أذهب عنه الحرّ والبرد» قال علي: «فما وجدت حرّاً ولا برداً منذ يومئذ».
ففي المسند: «فتفل في عيني وقال: أللهم…» وفي لفظ: «فبصق في عينه» وفي البخاري: «فدعا له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء» وكذا عند مسلم. وعند النسائي: «فبزق نبي اللّه في كفّيه ثم مسح بهما عيني علي» وكذا عند غيرهم.
وكان من دعائه المذكور خروجه في البرد في الملاءتين وفي الحرّ في الثوب الغليظ… كما ذكرت الأخبار… وقوله عليه السلام: «فما رمدت حتى السّاعة» كما في الأخبار كذلك.
واتّفقت النصوص على أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قد أخبر بأنّ اللّه سيفتح على يدي علي، فوقع كما أخبر… وقد نبّه على هذا بعض العلماء، كالعيني الحنفي، بشرح الحديث(1).
* وأمّا الشيخان، فقد أعطاهما النّبي صلّى اللّه عليه وآله الرّاية، أعطاها أبا بكر في اليوم الأوّل، وأعطاها عمر في اليوم الثاني… وهذه بعض النصوص:
فمنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناده عن علي… قال: «فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث أبا بكر، فسار بالناس، فانهزم حتى رجع إليه وبعث عمر فانهزم بالناس حتى انتهى إليه. فقال رسول اللّه: لاُعطينّ الراية رجلاً…»(2).
وفي رواية ابن عساكر: «بعث أبا بكر وعقد له لواءً، فرجع وقد انهزم، فبعث عمر وعقد له لواءً، فرجع منهزماً بالناس. فقال رسول اللّه: لاُعطينّ الراية رجلاً…»(3).
ورواه المتقي الهندي عن: ابن أبي شيبة والبزار وابن جرير ـ قال: وصحّحه ـ والطبراني في الأوسط والحكم والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي(4).
ومنها: ما أخرجه الحاكم وابن عساكر وغيرهما من أن رسول اللّه أعطى اللواء عمر بن الخطاب: «فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول اللّه يجبّنه أصحابه ويجبّنهم. قال رسول اللّه: لاُعطينّ اللواء غداً رجلاً…»(5).
ومنها: ما أخرجه النسائي وجماعة بلفظ: «فأخذ الراية أبو بكر ولم يفتح له، فأخذها من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له»(6).
ومنها: ما أخرجه البغوي وجماعة قالوا: «فأخذ أبو بكر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع. فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشدّ من القتال الأول ثم رجع. فاُخبر رسول اللّه بذلك فقال: لاُعطينّ الراية غداً رجلاً…»(7).
قال الحافظ الصالحي: «وفي حديث عن علي عند البيهقي: أن الغلبة كانت لليهود في اليومين»(8).
وجاء في غير واحد من الكتب عن الصحابة الرواة أنه: «أصاب الناس شدّة وجهد» أي: في هذين اليومين، فلمّا أخبرهم النبي بأنه سيعطي الراية غداً رجلاً… قالوا: «بتنا طيّبة أنفسنا».
بل، لقد روى أحمد بن حنبل في المسند: أن ذلك قد ساء رسول اللّه:
«فلم يلبثوا أنْ انهزم عمر وأصحابه، فجاء يجبّنهم ويجبّنونه، فساء ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لأبعثنّ إليهم رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله يقاتلهم حتى يفتح اللّه له ليس بفرّار…».
* وأمّا علي، فأعطاه النّبي صلّى اللّه عليه وآله الراية في اليوم الثالث، ووصفه باُمور:
1 ـ يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله.
2 ـ كرّار غير فرّار.
وفي بعض الكتب: ليس بفرّار.
3 ـ لا يخزيه اللّه أبداً.
4 ـ جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره.
5 ـ يفتح اللّه على يديه.
وذلك كلّه مذكور في الروايات ولا حاجة إلى إعادتها.
فكان: قتل مرحب اليهودي على يديه.
والفتح على يديه.
(1) عمدة القاري 14 / 233.
(2) المصنّف 8 / 522.
(3) تاريخ دمشق 42 /
(4) كنز العمال 13 / 53 برقم: 36388.
(5) المستدرك 3 / 40، تاريخ دمشق 42 / 93.
(6) أخرجه في السنن الكبرى ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 150 قال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(7) تفسير البغوي 4 / 196.
(8) سبل الهدى والرشاد 5 / 124.