في نقاط حول سند الحديث
أوّلاً:
لقد روي هذا الحديث عن جمع كبير من الصّحابة، منهم:
1 ـ أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام.
2 ـ السبط الأكبر الإمام الحسن بن علي عليه السّلام.
3 ـ عبداللّه بن العباس.
4 ـ جابر بن عبداللّه الأنصاري.
5 ـ أبو سعيد الخدري.
6 ـ عمران بن حصين.
7 ـ أبو ليلى الأنصاري.
8 ـ سعد بن أبي وقاص.
9 ـ عبداللّه بن عمر بن الخطّاب.
10 ـ أبو هريرة الدّوسي.
11 ـ سلمة بن الأكوع.
12 ـ سهل بن سعد.
13 ـ بريدة بن الحصيب.
14 ـ عمر بن الخطاب.
15 ـ عبداللّه بن عمرو بن العاص.
16 ـ الزبير بن العوام.
17 ـ أنس بن مالك.
وثانياً:
قد نظم حسان بن ثابت هذه المنقبة الخالدة والفضيلة العظيمة في شعر له ذكره العلماء في كتبهم، ونحن ننقله عن شرح صحيح البخاري للعيني الحنفي، إذ أورده بشرح الحديث، وهذا نصّه:
وكان علي أرمد العين يبتغي *** دواء فلما لم يحسن المداويا
حباه رسول اللّه منه بتفلة *** فبورك مرقيّاً وبورك راقيا
وقال ساُعطي الراية اليوم صارماً *** فذاك محبّ للرسول مواتيا
يحبّ النبي والإله يحبّه *** فيفتح هاتيك الحصون التواليا
فأفضى بها دون البريّة كلّها *** عليّاً وسمّاه الوزير المواخيا»(1)
وثالثاً:
هذا الحديث مخرَّج في كتابي البخاري ومسلم، الموصوفين بالصّحيحين، وقد ذهب جمهور علماء أهل السنّة إلى صحّة كلّ ما اُخرج فيهما، بل ذهب جمعٌ من أكابرهم إلى أنّ ما اُخرج فيهما فهو مقطوع بصدوره، فقد قال الحافظ السيوطي:
«(وذكر الشيخ) يعني ابن الصلاح (أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه) قال: خلافاً لمن نفى ذلك، محتجاً بأنه لا يفيد إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن. والظن قد يخطئ. قال: وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويماً. ثم بان لي أن الذي اخترناه أولاً هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ. والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعاً بها، وقد قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته: أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، لما ألزمته الطلاق، لإجماع علماء المسلمين على صحته. قال: وإن قال قائل: إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها، للشك في الحنث. فإنه لو حلف بذلك في حديث ليس هذه صفته لم يحنث. وإن كان رواته فساقاً. فالجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهراً وباطناً. وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهراً مع احتمال وجوده باطناً، حتى تستحب الرجعة. قال المصنف: (وخالفه المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر).
قال في شرح مسلم: لأن ذلك شأن الآحاد، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما، وتلقي الأمة بالقبول، إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما، من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بما قاله الشيخ، وبالغ في تغليطه… وكذا عاب ابن عبدالسلام على ابن الصلاح هذا القول. وقال: إن بعض المعتزلة يرون: أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته، قال وهو مذهب رديء، وقال البلقيني: ما قال النووي وابن عبدالسلام ومن تبعهما ممنوع. فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح عن جماعة من الشافعية، كأبي إسحاق وأبي حامد الإسفراييني، والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وعن السرخسي من الحنفية والقاضي عبدالوهاب من المالكية وأبي يعلى وأبي الخطاب وابن الزاغوني من الحنابلة، وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعرية، وأهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة، بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صفة التصوف، فألحق به ما كان على شرطهما، وإن لم يخرجاه.
وقال شيخ الإسلام: ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين، أما المحققون فلا، فقد وافق ابن الصلاح أيضاً محققون.
وقال في شرح النخبة: الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافاً لمن أبى ذلك، قال وهو أنواع: منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر، فإنه احتف به قرائن، منها: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ، وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه، حيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته، قال: وما قيل من أنهم إنما اتفقوا على وجوب العمل به لا على صحته ممنوع، لأنهم انفقوا على وجوب العمل بكل ما صح، ولو لم يخرجاه، فلم يبق للصحيحين في هذا مزيّة، والإجماع حاصل على أن لهما مزيّة، فيما يرجع إلى نفس الصحة، قال: ويحتمل أن يقال المزيّة المذكورة كون أحاديثهم أصح الصحيح، قال: ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل، وممن صرّح بإفادته العلم الأستاذ أبو منصور البغدادي، قال: ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون تجريباً كحديث يرويه أحمد مثلاً ويشاركه فيه غيره عن الشافعي، ويشاركه فيه غيره عن مالك، فإنه يفيد العلم عند سماعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته. قال: وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم فيها إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل، وكون غيره لا يحصل له العلم لقصوره عن الأوصاف المذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور… .
وقال ابن كثير: وأنا مع ابن الصلاح فيما عوّل عليه وأرشد إليه.
قلت: وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه، نعم يبقى الكلام في التوفيق بينه وبين ما ذكره أوّلاً من أن المراد بقولهم: هذا حديث صحيح: أنه وجدت فيه شروط الصحة، لا أنه مقطوع به في نفس الأمر، فإنه مخالف لما هنا، فلينظر في الجمع بينهما فإنه عسر ولم أر من تنبّه له»(2).
ورابعاً:
بل لقد نصّ غير واحد من الحفّاظ الكبار على تواتر حديث الرّاية وثبوته.
وتقدّم عن (الإكمال في أسماء الرجال): «هذا حديث صحيح بل هو متواتر، وفي هذا الباب عن أمير المؤمنين علي كرّم اللّه وجهه وابن عباس وجابر نب عبداللّه وأبي سعيد الخدري وابن أبي ليلى وعمران بن الحصين وأبي هريرة وابن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وسلمة بن الأكوع وجماعة.
وبالجملة، فالحديث متفق عليه.
حتى قال ابن تيمية الحراني في منهاج السنّة 3 / 12 و 4 / 91: هذا الحديث أصحّ ما روي لعلي من الفضائل، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه.
وتقدّم عن (الاستيعاب) قوله: «وهذه كلّها آثار ثابتة».
وعن (تهذيب الكمال): «وهذه كلّها آثار ثابتة».
(1) عمدة القاري 16 / 216.
(2) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النووي 1 / 104 ـ 106.