رواية ابن عبدالبر
* «روى سعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وعبداللّه بن عمر وعمران بن الحصين وسلمة بن الأكوع كلّهم بمعنى واحد، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه قال يوم خيبر: لأعطينّ الراية غداً رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله ليس بفرار يفتح اللّه على يديه، ثم دعا بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح اللّه عليه».
وهذه كلّها آثار ثابتة…»(1).
* «حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرىء قال: حدّثنا عبيداللّه بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد قال: حدثنا عبداللّه بن محمد بن عبدالعزيز البغوي قال: حدثنا خلف بن هشام البزار قال: حدثنا عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يفتح اللّه على يديه، فذكر أن الناس طمعوا في ذلك، فلما كان من الغد قال أين علي؟ فقال: على رسلك انفذ حتّى تنزل بساحتهم فإذا أنزلت بساحتهم فادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم منه من الحق أو من حق اللّه، فواللّه لأن يهدي اللّه بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم».
قال أبو عمر: هذا حديث ثابت في خيبر أنّه لم يقاتلهم حينئذ حتّى دعاهم، وهو شيء قصر عنه أنس في حديثه. وذكره سهل بن سعد. وقد روي عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمر علياً أن لا يقاتل قوماً حتّى يدعوهم…»(2).
* «… فأعطى رايته أبا بكر الصديق، فنهض بها وقاتل واجتهد ولم يفتح عليه، ثم أعطى الراية عمر فقاتل ثم رجع ولم يفتح له وقد جهد فحينئذ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لأعطينّ الراية غداً رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله ليس بفرار يفتح اللّه عزّوجلّ على يديه، فلما أصبح دعا علياً وهو أرمد فتفل في عينيه، ثم قال: خذ الراية فامض بها حتى يفتح اللّه بها عليك».
* «ذكر هذ الخبر ابن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة عن أبيه سفيان عن سلمة بن الأكوع».
* «وذكر من حديث أبي رافع مولى النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله برايته إلى حصن من حصون خيبر، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله وقاتلهم فضربه رجل من يهود فألقى ترسه من يده فتناول علي باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح اللّه عليه ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة وأنا ثامنهم نجتهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه».
* «قال ابن إسحاق، فذكر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: من لهذا ـ يعني مرحباً اليهودي ـ ؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول اللّه أطلب الثار، قتل أخي بالأمس قال: فقم إليه، فنهض إليه محمد بن مسلمة فتقاتلا وكانا يستتران بشجرة، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه كلّما لاذ بها منه اقتطع بسيفه ما دونه منها حتّى ذهبت أغصانها، وبرز كلّ واحد منهما لصاحبه، وحمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها فعضت به وأمسكته، وضربه محمد فقتله، ثم انصرف ثم برز أخو مرحب واسمه ياسر فدعا إلى البراز فخرج إليه الزبير».
* «هذا ما ذكره ابن إسحاق في قتل مرحب اليهودي بخيبر، وخالفه غيره فقال: بل قتله علي بن أبي طالب وهو الصحيح عندنا».
* «حدثنا عبداللّه بن محمد قال: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هارون بن عبداللّه قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا عوف عن ميمون أبي عبداللّه عن عبداللّه بن بريدة عن أبيه بريدة الأسلمي أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال لما نزل بحصن خيبر: لأعطينّ اللواء غداً رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، فلما كان من الغد، تطاول لها أبو بكر وعمر، فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه الناس فلقوا أهل خيبر، فإذا مرحب بين أيديهم يرتجز:
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب
إذا السيوف أقبلت تلهّب *** أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فاختلف هو وعلي ضربتين، فضربه علي على رأسه حتّى عض السيف بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته، قال: فما تتامّ الناس حتّى فتحوا لهم».
* «حدثنا سعيد بن نصر قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا محمد بن وضاح قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثني إياس بن سلمة الأكوع قال أخبرني أبي قال: لما خرج عمي عامر بن سنان إلى خيبر بارز يوماً مرحباً اليهودي فقال مرحب:
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب
إذا السيوف أقبلت تلهّب *** أطعن أحياناً وحيناً أضرب
وقال عمي:
قد علمت خيبر أني عامر *** شاكي السلاح بطل مغاور
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، ورجع سيف عامر على مسافة فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه».
* «قال سلمة: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أرسلني إلى علي بن أبي طالب وقال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، قال: فجئت به أقوده أرمد، فبصق النبي صلّى اللّه عليه وآله في عينيه ثم أعطاه الراية، فخرج مرحب يخطر بسيفه وقال:
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تهلب
وقال علي رضي اللّه عنه:
أنا الذي سمّتني أمي حيدرة *** كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
ففلق رأس مرحب بالسيف، وكان الفتح على يد علي»(3).
(1) الاستيعاب 3 / 1099 ـ 1100.
(2) التمهيد 2 / 218 ـ 219.
(3) الدرر في المغازي والسير: 198 ـ 200.