رواية ابن حجر العسقلاني
«الحديث العاشر والحادي عشر حديث سلمة بن الأكوع وحديث سهل بن سعد في قصة فتح علي خيبر:
قوله: وكان رمداً في حديث علي عند ابن أبي شيبة أرمد وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير أرمد شديد الرمد، وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الدلائل أرمد لا يبصر. قوله فقال: أنا أتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلّى اللّه عليه وآله فقال ذلك وقوله: فلحق به، يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر ويحتمل أن يكون لحق به بعد أن وصل إليها.
قوله: فلما بتنا الليلة التي فتحت خيبر في صبيحتها قال: لأعطينّ الراية غداً. وقع في هذه الرواية اختصار، وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب قال: لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له وقتل محمود بن مسلمة فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: لأدفعنّ لوائي غداً إلى رجل. الحديث، وعند ابن إسحاق نحوه من وجه آخر. وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في الإكليل وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل. قوله: لأعطينّ الراية غداً أو ليأخذن الراية غداً، هو شك من الراوي. وفي حديث سهل الذي بعده لأعطينّ هذه الراية غداً رجلا بغير شك. وفي حديث بريدة إني دافع اللواء غداً إلى رجل يحبه اللّه ورسوله. والراية بمعنى اللواء وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه لمقدم العسكر. وقد صرّح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سوداء ولواؤه أبيض، ومثله عند الطبراني عن بريدة وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوباً فيه: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. وهو ظاهر في التغاير، فلعلّ التفرقة بينهما عرفية، وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة: أن أوّل ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية».
* «قوله: يحبه اللّه ورسوله. زاد في حديث سهل بن سعد ويحب اللّه ورسوله، وفي رواية ابن إسحاق ليس بفرار، وفي حديث بريدة لا يرجع حتّى يفتح اللّه له. قوله: فنحن نرجوها في حديث سهل: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. وقوله: يدوكون بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة بالكاف الاختلاط. وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، وفي حديث بريدة: فما منا رجل له منزلة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتّى تطاولت أنالها، فدعا علياً وهو يشتكي عينه فمسحها ثم دفع إليه اللواء، ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: فأرسلني إلى علي، قال: فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه فبرأ».
* «قوله: فقيل هذا علي، كذا وقع مختصراً، وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم، وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده: فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وكلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتوا به. وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع أنه هو الذي أحضره، ولعل علياً حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلّى اللّه عليه وآله فحضر من المكان الذي نزل به أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره».
* «قوله: فبرأ. بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب ويجوز كسر الراء بوزن علم، وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال: فوضع رأسي في حجره ثم بزق في إلية راحته فدلك بها عيني. وعند بريدة في الدلائل للبيهقي: فما وجعها علي حتّى مضى لسبيله أي مات. وعند الطبراني من حديث علي: فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى الراية يوم خيبر. وله من وجه آخر: فما اشتكيتها حتّى الساعة قال: ودعا لي فقال: اللهم أذهب عنه الحرّ والقر قال: فما اشتكيتهما حتّى يومي هذا».
* «قوله: فأعطاه ففتح عليه، في حديث سهل: فأعطاه الراية. وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: فانطلق حتّى فتح اللّه عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما. وقد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحاً…».
* «وذكر ابن إسحاق من حديث أبي رافع قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله برايته، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتّى فتح اللّه عليه، فلقد رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.
وللحاكم من حديث جابر: إنّ علياً حمل الباب يوم خيبر وأنه جرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.
والجمع بينهما: أن السبعة عالجوا قلبه والأربعين عالجوا حمله، والفرق بين الأمرين ظاهر، ولو لم يكن إلا باختلاف حال الأبطال.
وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه: وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب… الأبيات.
فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة… الأبيات.
فضرب رأس مرحب فقتله. فكان الفتح على يديه.
وكذا في حديث بريدة الذي أشرت إليه قبل.
وخالف ذلك أهل السير فجزم ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحباً هو محمد بن سلمة، وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر. وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي. وقيل: إن الذي قتله هو الحرث أخو مرحب، فاشتبه على بعض الرواة، فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم على ما سواه، ولا سيما وقد جاء من حديث بريدة أيضاً.
وكان اسم الحصن الذي فتحه على القموص، وهو من أعظم حصونهم، ومنه سبيت صفية بنت حيي. واللّه أعلم»(1).
* «وأخرج الترمذي بسند قوي عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية سعداً فقال له: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ـ لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلي من أن يكون لي حمر النعم ـ فلن أسبه: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول وقد خلّفه في بعض المغازي فقال له علي: يا رسول اللّه تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأتاه وبه رمد فبصق عينيه ودفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه»(2).
* «وروى سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وسهل بن سعد وبريدة وأبو سعيد وابن عمر وعمران بن حصين وسلمة بن الأكوع ـ والمعنى واحد ـ : أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال يوم خيبر: لأعطينّ الراية غداً رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله يفتح اللّه على يده. فأعطاه علياً، وبعثه صلّى اللّه عليه وآله إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم فقال: يا رسول اللّه، لا أدري القضاء، فضرب في صدره وقال: اللهم اهد قلبه وسدّد لسانه، قال علي: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. وروي: أنه عليه الصّلاة والسلام قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقال عمر: علي أقضانا واُبي أقرؤنا. وقال يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن»(3).
(1) فتح الباري 7 / 365 ـ 367.
(2) الاصابة 4 / 468.
(3) تهذيب التهذيب 7 / 296.