رواية أحمد بن حنبل
* «حدثنا عبداللّه، حدثني أبي، ثنا وكيع، عن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثباب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف، فقيل له: لو سألته، فسأله، فقال:
إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول اللّه إني أرمد العين، قال: فتفل في عيني وقال: أللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ، وقال: لأعطين الراية رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله ليس بفرّار. فتشرف لها أصحاب النبي، فأعطانيها»(1).
* «حدثنا عبداللّه، حدثني أبي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول له وخلّفه في بعض مغازيه فقال علي رضي اللّه عنه: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟ قال: يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله. فتطاولنا لها فقال: ادعو إليّ علياً رضي اللّه عنه. فاُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح اللّه عليه. ولمّا نزلت هذه الآية (نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) دعا رسول اللّه صلّ اللّه عليه وآله علياً وفاطمةً وحسناً وحسيناً رضوان اللّه عليهم أجمعين، فقال: اللهم هؤلاء أهلي»(2).
* «وحدثنا عبداللّه، حدثني أبي، ثنا أبو النضر قال: ثنا عكرمة قال: حدثني أياس بن سلمة قال أخبرني أبي قال: بارز عمّي يوم خيبر مرحب اليهودي. فقال مرحب:
قد علمت خيبر أني عامر *** شاكي السّلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب يسفل له، فرجع السيف على ساقه وقطع أكحله فكانت فيها نفسه.
قال سلمة بن الأكوع: لقيت ناساً من صحابة النبي صلّى اللّه عليه وآله فقالوا: بطل عمل عامر، قتل نفسه. قال سلمة: فجئت إلى نبي اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبكي، قلت: يا رسول اللّه، بطل عمل عامر؟ قال: من قال ذاك؟ قلت: ناس من أصحابك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: كذب من قال ذاك بل له أجره مرّتين، إنه حين خرج إلى خيبر جعل يرجز بأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفيهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يسوق الركاب وهو يقول:
تاللّه لولا اللّه ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
إن الذين قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا *** فثبت الأقدام إنْ لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: من هذا؟ قال: عامر يا رسول اللّه. قال: غفر لك ربك. قال: وما استغفر لإنسان قط يخصّه إلاّ استشهد. فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول اللّه لو متّعتنا بعامر. فقدم فاستشهد.
قال سلمة: ثم إن نبي اللّه صلّى اللّه عليه وآله أرسلني إلى علي فقال: لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحب اللّه ورسوله أو يحبه اللّه ورسوله. قال: فجئت به أقوده أرمد، فبصق نبي اللّه صلّى اللّه عليه وآله في عينه ثم أعطاه الراية، فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فقال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه:
أنا الذي سمتني أمّي حيدره *** كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصّاع كيل السندره
ففلق رأس مرحب بالسيف، وكان الفتح على يديه»(3).
(1) مسند أحمد 1 / 99.
(2) مسند أحمد 1 / 185.
(3) مسند أحمد 4 / 51 ـ 52.