5 ـ دلالة الحديث على إمامة الأئمة من العترة:
وإذ قد عرفت «فقه حديث الثقلين» على ضوء كلمات علماء أهل السنّة المحققين، بعد الوقوف على كثير من أسانيده وألفاظه… تتمكّن بكلّ سهولة أن تعرف الذين جعلهم اللّه ورسوله قائمين مقام الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من بعده، في إدارة شئون المسلمين وتدبير أمورهم، وتعليمهم الكتاب والحكمة، وتزكيتهم وإرشادهم… إلى غير ذلك من وظائف النبوّة… .
وإنّ القيام بذلك لا يليق إلاّ لمن كان طاهراً مطهّراً من جميع أنواع الرّجس، وقد عرفت أنّ المراد من «عترتي أهل بيتي» هم: «أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً».
وإلاّ لمن كان أعلم الناس بالكتاب وأعرفهم بحقائق الدين… ولا ريب في أن «أهل بيته» كذلك، ومن هنا فقد ورد التصريح بذلك في بعض ألفاظ حديث الثقلين، كاللفظ المتقدّم نقله عن الحافظ الطّبراني في (المعجم الكبير) المشتمل على قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم»(1).
وقال الشريف الحافظ السمهودي: «الذين وقع الحثّ على التمسّك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب اللّه عزّوجل، إذ لا يحثّ صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم على التمسّك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا الحوض، ولهذا قال: لا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم»(2).
وقال الشيخ القاري في شرح المشكاة: «وأقول: الأظهر هو أنّ أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطّلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلا لكتاب اللّه سبحانه، كما قال: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)»(3).
ولقد نصَّ نظام الدين النيسابوري في (تفسيره) على ضوء حديث الثقلين على كون «عترته» صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «ورثته، يقومون مقامه» وهذه عبارته بتفسير قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) قال:
«وكيف تكفرون، استفهام بطريق الإنكار والتعجّب. والمعنى: من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أن آيات اللّه تتلى عليكم على لسان الرسول صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم غضّةً في كلّ واقعة، وبين أظهركم رسول اللّه يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة… .
أمّا الكتاب، فإنه باق على وجه الدهر.
وأمّا النبيّ صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، فإنه وإن كان مضى إلى رحمة اللّه في الظاهر، ولكنّ نور سرّه باق بين المؤمنين، فكأنه باق، على أنّ عترته صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، ولهذا قال: إني تارك فيكم الثقلين…»(4).
(1) اُنظر الحديث في الكتاب.
(2) جواهر العقدين: 243.
(3) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600.
(4) غرائب القرآن ورغائب الفرقان 1 / 347.