رأي أحمد في المسند:
أمّا رأي أحمد بن حنبل في مسنده، فقد ذكر الحافظ السيوطي عن بعض العلماء، أن أحمد شرط في مسنده الصحيح(1). وذكر قاضي القضاة السبكي بترجمة أحمد من (طبقاته) عن عبداللّه بن أحمد قال: «قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم رجعوا إليه».
قال السبكي: «قال أبو موسى المديني: لم يخرج إلاّ عمّن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته. ثم ذكر بإسناده إلى عبداللّه ابن الإمام أحمد ـ رحمة اللّه ـ قال: سألت أبي عن عبدالعزيز بن أبان، لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته».
وأورد السبكي ما ذكره المديني بإسناده إلى حنبل بن إسحاق قال: «جمعنا عمّي ـ يعني الإمام أحمد ـ لي ولصالح ولعبد اللّه، وقرأ علينا المسند، وما سمعه معنا ـ يعني تماماً ـ غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلاّ ليس بحجة».
قال السبكي: «قال أبو موسى: ومن الدّليل على أنّ ما أودعه الإمام أحمد ـ رحمه اللّه ـ مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلاّ ما صحَّ عنده: ما أخبرنا به أبو علي الحداد. قال: أنا أبو نعيم، وأنا ابن الحصين وأنا ابن المذهب قال: أنا القطيعي، ثنا عبداللّه قال: حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم أنه قال: يهلك أمتي هذا الحيّ من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم. قال عبداللّه: قال أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي. يعني قوله: إسمعوا وأطيعوا.
وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذّ لفظه مع الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه. فكان دليلا على ما قلناه»(2).
وقال شاه ولي اللّه الدهلوي بعد ذكر طبقة من الكتب: «وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإنّ الإمام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه»(3).
(1) تدريب الراوي 1 / 171 ـ 172.
(2) طبقات الشافعية الكبرى 2 / 31 ـ 33.
(3) حجة اللّه البالغة: 134.