حول الحاكم و روايات حديث الثقلين:
وتعرّض «الدكتور» للحديث في المستدرك، فقال:
«وفي المستدرك، روى الحاكم هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من حبيب، وهذا يحتاج إلى مراجعة الإسناد الذي ذكره، وما أكثر رجاله، غير أنّا لسنا مضطرّين إلى بذل هذا الجهد، فإن ثبت سماع الأعمش بقي أكثر من موطن ضعف.
والحاكم ذكر الحديث بروايتين: احداهما في إسنادها الإمام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية. والأخرى بيّن الذهبي وهي إسنادها».
أقول:
أوّلا: ذكر «الدكتور» في هذا الموضع في الهامش مترجماً الحاكم ما هذا نصّه:
«هو أبو عبداللّه محمد بن عبداللّه الضبي النيسابوري. ولد سنة 321 هـ. قال عنه ابن حجر في لسان الميزان: إمام صدوق ولكنّه يصحّح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك. فما أدري هل خفيت عليه؟ فما هو ممن يجهل ذلك، وإن علم فهو خيانة عظيمة. ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين. والحاكم أجلّ قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أن يذكر في الضعفاء. لكن قيل في الاعتذار عنه أنّه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغيّر في عقله في آخر عمره. ويدلّ على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها».
وقال «الدكتور» في هامش الصفحة ـ 26 ـ : «راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه، وعن روايتيه لهذا الحديث».
وخلاصة كلامه بترجمة الحاكم هو الطعن فيه وفي كتابه، لكن الملاحظ:
1 ـ إنّه في الصفحة ـ 11 ـ نقل عن (فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير) روايةً عن أبي هريرة… وكتم المصدر الذي نقل عنه الرواية في فيض القدير، وقد ذكرنا سابقاً أنّه مستدرك الحاكم، ونظرنا في سنده على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل… .
فإذا كان حال الحاكم وكتابه كما ذكر عن ابن حجر واعتمده، فلماذا احتّج بحديثه هناك مع محاولة التكتّم على اسمه؟
2 ـ إنّه حرّف كلام الحافظ ابن حجر! وقد نقلناها سابقاً كاملةً! لقد جاءت عبارة «الدكتور»: «ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين، والحاكم أجل…» إلاّ أنّ بين كلمة «الشيخين» وكلمة «والحاكم» يوجد ما يلي:
«وقد قال أبو طاهر: سألت إسماعيل بن عبداللّه الأنصاري عن الحاكم أبي عبداللّه. فقال: إمام في الحديث رافضي خبيث.
قلت: إن اللّه يحبّ الإنصاف! ما الرجل رافضي، بل شيعي فقط. ومن شقاشقه قوله… .
فأمّا صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. مات سنة 405».
هذا، والسّبب في الطعن في الحاكم وكتابه والاقتصار على ما جاء في لسان الميزان ـ مع التحريف لكلام ابن حجر ـ هو إسقاط حديث الثقلين المخرّج في المستدرك عن الاحتجاج كما لا يخفى.
3 ـ لكن الإحتجاج برواية الحاكم صحيح، لأنّهم قدّموا كتاب (المستدرك) حتى على مثل (الموطّأ) كما عرفت سابقاً، وأثنوا على الحاكم نفسه من حيث الصدق والمعرفة بالحديث بما لا مزيد عليه:
قال ابن خلكان: «إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلّف فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها. كان عالماً عارفاً واسع العلم»(1).
وقال الذهبي: «الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدّثين…»(2).
وقال: «برع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان، لابل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحطّ على معاوية، وهو ثقة حجّة»(3).
وقال السّيوطي: «الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدّثين. وكان إمام عصره في الحديث، العارف به حق معرفته، صالحاً ثقة، يميل إلى التشيع» ثم ذكر الثناء عليه عن غير واحد(4).
وقال ابن قاضي شهبة: «قال الخطيب البغدادي: كان ثقة، وكان يميل إلى التشيع. قال الذهبي: هو معظّم للشيخين بيقين ولذي النورين، وإنما تكلّم في معاويه فأوذي»(5).
وقال ابن الجزري: «وكان إماماً ثقةً صدوقاً»(6).
ومن مصادر ترجمته أيضاً: الوافي بالوفيات 3 / 320، طبقات الشافعية للسبكي 4 / 155، النجوم الزاهرة 4 / 238، مرآة الجنان 3 / 14، المختصر في أخبار البشر 2 / 144، شذرات الذهب 3 / 176، الجواهر المضية 2 / 65، المنتظم 7 / 274، تاريخ ابن كثير 11 / 355… وغيرها.
ثانياً: ماذا يعني من قوله: «والحاكم ذكر الحديث بروايتين…»؟ في هذا الموضع خيانة عظيمة أو جهل مفرط. وبيان ذلك أنّه:
إن أراد رواية الأعمش عن حبيب عن زيد، فليس إلاّ رواية واحدة.
وإن أراد ذكر الحاكم الحديث مطلقاً، فليس بروايتين بل بأربعة روايات:
إحداها: ما أخرجه عن أبي عوانة عن الأعمش عن حبيب عن زيد(7).
والثانية: ما أخرجه عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن زيد(8).
والثالثة: ما أخرجه عن أبي نعيم عن كامل أبو العلاء عن حبيب عن يحيى بن جعدة عن زيد(9).
والرابعة: ما أخرجه بقوله: «حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالري، ثنا محمد بن أيوب، ثنا يحيى بن المغيرة السعدي، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبداللّه النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم ـ رضي اللّه عنه ـ قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض.
هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(10).
ووافقه الذهبي على التصحيح ووضع علامة الشيخين في آخر الحديث في تلخيصه.
فالثالثة والرابعة كتمهما «الدكتور» أو جَهِلَ بهما؟!
(1) وفيات الأعيان 3 / 408.
(2) تذكرة الحفاظ 3 / 1039.
(3) العبر في خبر من غبر 2 / 210.
(4) طبقات الحفّاظ: 410.
(5) طبقات الشافعية 1 / 198.
(6) طبقات القراء 1 / 185.
(7) المستدرك 3 / 109.
(8) المستدرك 3 / 110.
(9) المستدرك 3 / 533.
(10) المستدرك 3 / 148.