* «أوّلهما»:
فقد ترك النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم شيئين سمّاهما ـ فيما أخرجه مسلم ـ بـ«ثقلين» أحدهما: كتاب اللّه… فما هو الثاني؟ إنه ليس إلاّ «أهل بيته»، فلذا قال النووي بشرح صحيح مسلم: «فذكر كتاب اللّه وأهل بيته»… وهو أيّ معنىً أراد من تسمية «الكتاب» بـ«الثقل»، فنفس المعنى هو المراد من تسميته «العترة أهل البيت» بـ«الثقل»، ولا ريب في أنّه إنّما ترك «الكتاب» في الأمة لكي تتمسّك به وتعمل به وتتبّعه وتطبّق ما جاء به، فكذلك الأمر بالنسبة إلى «العترة أهل البيت».
إذن، «فالكتاب والعترة» هما الخليفتان من بعده، اللّذان يملآن الفراغ الحاصل من فقده.
* ومن هنا، فقد جاء الحديث في غير واحد من الروايات بلفظ «إني تارك فيكم خليفتين» ومن الذين أخرجوه كذلك:
أحمد بن حنبل، عن زيد بن ثابت. وقد تقدّم.
وابن أبي عاصم الشيباني المتوفى سنة 287(1) في (كتاب السنّة)(2) عن زيد بن ثابت، وفيه تسمية «الكتاب والعترة» بـ«الثقلين» و «الخليفتين» معاً، وهذا مما يؤكّد ما قلناه. واعلم أنه قد أخرج حديث الثقلين عن عليّ، وعبداللّه بن عمر، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس… بعشرة أسانيد(3).
وأبو القاسم الطّبراني، وعنه الحافظ أبو بكر الهيثمي قال: «عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم: إني تركت فيكم خليفتين كتاب اللّه وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض. رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات»(4).
وجلال الدين السّيوطي عن أحمد والطبراني وصحّحه.
قال شارحه المناوي: «إني تارك فيكم بعد وفاتي خليفتين. زاد في رواية: أحدهما أكبر من الآخر. وفي رواية بدل خليفتين: ثقلين سمّاهما به لعظم شأنهما.
عهده، وقيل: السبب الموصل الى رضاه. وعترتي. بمثنّاة فوقيّة. أهل بيتي. تفصيل بعد إجمال بدلا أو بياناً، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»(5).
فالخليفتان من بعده صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هما: القرآن وأصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً… .
(1) قال الذهبي في العبر 2 / 79: «كان إماماً، فقيهاً، ظاهرياً، صالحاً، ورعاً، كبير القدر، صاحب مناقب».
(2) نشر وتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني. ذكره «الدكتور» بكلّ احترام وأثنى عليه.
(3) انظر كتاب السنة: 628 ـ 631.
(4) مجمع الزوائد 9 / 163.
(5) فيض القدير 3 / 14.