(13) عبد الرؤوف المناوي
وطعن العلاّمة عبدالرؤوف بن تاج العارفين المناوي المصري ـ المتوفّى سنة 1029 ـ في سند الحديث عن حذيفة، وتعقّبه عن ابن مسعود بكلمة الذهبي. وهذا نصُّ عبارته:
«(اقتدوا باللذين) بفتح الذال. أي الخليفتين اللذين يقومان (من بعدي: أبو بكر وعمر) أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما، لكونهما أهلا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه، المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما، وإيماء لكونهما الخليفتين بعده. وسبب الحثّ على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضِيّة والطبيعة القابلة للخيور السنيّة، فكأنّهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيّبة في نفسها، لكنّها معطّلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضا. فلمّا أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتاً حسناً، فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء، وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان.
فإن قلت: حيث أمر باتّباعهما فكيف تخلّف علي رضي الله عنه عن البيعة؟
قلت: كان لعذر ثم بايع. وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيّين وميّتين.
فإن قلت: هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الاُصول من أنه لم ينصّ على خلافة أحد.
قلت: مرادهم لم ينصّ نصّاً صريحاً. وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك.
(حم ت) في المناقب وحسنه (ه) من حديث عبدالملك بن عمير عن ربعي (عن حذيفة) بن اليمان.
قال ابن حجر: اختلف فيه على عبدالملك. وأعلّه أبو حاتم. وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ. لأنّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة. لكن له شاهد…. وقد أحسن المصنّف حيث عقّبه بذكر شاهده فقال:
(اقتدوا باللذين) بفتح الذال (من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار) بن ياسر، أَي سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده فإنّه ما عرض عليه أمران إلاّ اختار أرشدهما، كما يأتي في حديث: ( وتمسّكوا بعهد ابن مسعود) عبدالله، أي ما يوصيكم به.
قال التوربشتي: أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة، فإنّه أول من شهد بصحّتها وأشار إلى استقامتها قائلا: ألا نرضى لدنيانا من رضيه لديننا بيننا، كما يومى إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه.
(ت) وحسنّه (عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة) قال: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: لا أدري ما قدر بقائي فيكم، ثم ذكره. (عد عن أنس).
ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور قال الذهبي: وسنده واه»(1).
ترجمته
والمناويّ علاّمة محقّق كبير فيهم، وكتابه ( فيض القدير ) من الكتب المفيدة. وقد ترجم له وأثنى عليه المحبّي ووصفه بـ«الإمام الكبير الحجّة» وهذه عبارته:
«عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين، الملقّب زين الدين، الحدادي ثم المناوي، القاهري، الشافعي….
الإمام الكبير الحجّة، الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وأجلّ أَهل عصره من غير ارتياب.
وكان إماماً فاضلا، زاهداً، عابداً، قانتاً لله خاشعاً له، كثير النفع، وكان متقرّباً بحسن العمل، مثابراً على التسبيح والأَذكار، صابراً صادقاً، وكان يقتصر يومه وليلته على أكلة واحدة من الطعام.
وقد جمع من العلوم والمعارف ـ على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها ـ ما لم يجتمع في أحد ممّن عاصره…»(2).
(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/72ـ73.
(2) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 2/412ـ416.