3 ـ اختاروا منّي خصالا ثلاثاً; قاله ليلة عاشوراء!!
وجاء في تاريخ الطبري: إنّ الإمام عليه السلام قال لعمر بن سعد وأصحابه: «إختاروا منّي خصالا ثلاثاً: إمّا أنْ أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، وإمّا أنْ أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه، وإمّا أنْ تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلا من أهله، لي ما لهم وعلَيَّ ما عليهم».
قال الطبري: «قال أبو مخنف: فأمّا عبدالرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان، قال: صحبت حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق، ولم أُفارقه حتّى قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة، ولا بمكّة، ولا في الطريق، ولا بالعراق، ولا في عسكر، إلى يوم مقتله، إلاّ وقد سمعتها.
ألا واللّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أنْ يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة، حتّى ننظر ما يصير أمرُ الناس»(1).
فانظر، كيف يصنعون الأكاذيب ثمّ يشيعونها بين الناس، بل حتّى الذهبي، لم يذكر من الخصال إلاّ الثالثة، فقد روى الخبر عن ابن سعد، فجاء في ما رواه: «وقال الحسين: يا هؤلاء! دعونا نرجع من حيث جئنا. قالوا: لا.
وبلغ ذلك عبيداللّه فهمَّ أنْ يخلّي عنه، وقال: واللّه ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلاّ مخل سبيله يذهب حيث يشاء.
فقال شمر: إنْ فعلت وفاتك الرجل، لا تستقيلها أبداً.
فكتب إلى عمر:
الآن حيث تعلّقته حبالنا *** يرجو النجاةَ ولات حين مناص
فناهضه، وقال لشمر: سِرْ! فإنْ قاتل عمر وإلاّ فاقتله وأنت على الناس.
وضبط عبيداللّه الجسر، فمنع من يجوزه لمّا بلغه أنّ ناساً يتسلّلون إلى الحسين»(2).
وجاء في رواية الخوارزمي: «ثمّ كتب إلى ابن زياد: بسم اللّه الرحمن الرحيم، إلى الأمير عبيداللّه بن زياد من عمر بن سعد: أمّا بعد، فإنّي نزلت بالحسين، ثمّ بعثت إليه رسولا أسأله عمّا أقدمه إلى هذا البلد; فذكر أنّ أهل الكوفة أرسلوا إليه يسألونه القدوم عليهم ليبايعوه وينصروه، فإنْ بدا لهم في نصرته فإنّه ينصرف من حيث جاء، فيكون بمكّة أو يكون بأيّ بلد أمرتَه، فيكون كواحد من المسلمين، فأحببتُ أن أُعلم الأمير بذلك ليرى رأيه; والسلام.
فلمّا قرأ عبيداللّه كتابه فكّر في نفسه ساعة، ثمّ أنشد:
ألآن إذ علقت مخالبنا به *** يرجو النجاة ولات حين مناص
ثمّ قال: أيرجو ابن أبي تراب النجاة؟! هيهات هيهات، لا أنجاني اللّه من عذابه إن نجا الحسين منّي!
ثمّ كتب إلى عمر: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك وما ذكرت فيه من أمر الحسين، فإذا أتاك كتابي فاعرض عليه البيعة لأمير المؤمنين يزيد، فإنْ فعل وبايع، وإلاّ فأتني به; والسلام.
فلمّا ورد الكتاب على عمر وقرأه، قال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، إنّ عبيداللّه لا يقبل العافية، واللّه المستعان.
قال: ولم يعرض ابن سعد على الحسين بيعة يزيد; لأنّه علم أنّ الحسين لا يجيبه إلى ذلك أبداً(3).
(1) تاريخ الطبري 3 / 312.
(2) سير أعلام النبلاء 3 / 300.
(3) مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 343 ف 11 ح 7.