لقد ولّى يزيدُ بن معاوية عبيدَ اللّه بن زياد على الكوفة، بعد أن لعب الوالي عليهاوهو: النعمان بن بشيردوره المأمور به، بوصيّة من معاوية، فكتب إليه يزيد مع مسلم بن عمرو:
«أمّا بعد، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة، يخبروني أنّ ابن عقيل بها يجمع الجموع ويشقُّ عصا المسلمين، فسِرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخُرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه; والسلام.
وسلّم إليه عهده على الكوفة.
فسار مسلم بن عمرو، حتّى قدم على عبيداللّه بالبصرة، فأوصل إليه العهد والكتاب، فأمر عبيداللّه بالجهاز من وقته، والمسير والتهيّؤ إلى الكوفة من الغد، ثمّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان، وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ وشريكُ بن أعور الحارثيّ وحشمه وأهل بيته، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامةٌ سوداء وهو مُتلثّم، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام إليهم فهم ينتظرون قدومه، فظنّوا حين رأوا عبيدَ اللّه أنّه الحسين، فأخذ لا يمرُّ على جماعة من الناس إلاّ سلَّموا عليه وقالوا: مرحباً بابن رسول اللّه، قدمتَ خيرَ مقدم.
فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا: تأخَّروا! هذا الأمير عبيدُ اللّه بن زياد.
وسار حتّى وافى القصر في الليل، ومعه جماعةٌ قد التفُّوا به لا يشكُّون أنّه الحسين عليه السلام، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى حامّته، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطّلع إليه النعمان وهو يظنّه الحسين فقال: أنشدك اللّه إلاّ تنحّيت، واللّه ما أنا مسلّمٌ إليك أمانتي، وما لي في قتالك من أَرَب.
فجعل لا يكلّمه، ثمّ إنّه دنا وتدلّى النعمان من شَرَف فجعل يُكلّمه، فقال: افتح لا فتحت، فقد طال ليلك!
وسمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الّذين اتّبعوه من أهل الكوفة على أنّه الحسين فقال: أي قوم! ابن مرجانة والّذي لا إله غيره.
ففتح له النعمان ودخل، وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضّوا.
وأصبح فنادى في الناس: الصلاةُ جامعةٌ; فاجتمع الناس، فخرج إليهم فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال:
أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومُطيعكم كالوالد البرِّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي، فليُبقِ امرؤ على نفسه; الصدق ينبي عنك لا الوعيد.
ثمّ نزل، فأخذ العُرفاءَ والناسَ أخذاً شديداً فقال: اكتبوا إلى العُرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومَن فيكم من الحروريّة وأهل الريب، الّذين رأيهم الخلافُ والشِّقاق، فمن يجيء بهم لنا فبريء، ومن لم يكتب لنا أحداً فليضمن لنا ما في عِرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغِ علينا منهم باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّةُ وحلالٌ لنا دمُه ومالُه، وأيّما عريف وُجدَ في عرافته من بُغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا، صُلِبَ على باب داره، وأُلغيت تلك العرافةُ من العطاء»(1).
واتّخذ ابن زياد فور وصوله إلى الكوفةبعد أنْ عُرف أصحاب مسلم بن عقيل وشيعته وانكشفوا على أثر سكوت «النعمان بن بشير» عنهم!!إجراءات عديدة غيَّرت مجاري الأُمور، وانتهت بالقضاء على مسلم وأنصاره واستشهادهم، ثمّ استشهاد الإمام وأصحابه في كربلاء، ونحن نلخّص ما قام به في خطوط:
1 ـ الشائعات
كان للإشاعات الدور الكبير في تفرّق الناس عن مسلم عليه السلام، فقد أمر ابنُ زياد جماعةً ممّن حوله أنْ يعلموا الناس بوصوله إلى الكوفة ويشيعوا بينهم وصول جيش من الشام ويخوّفونهم به، ويخذّلونهم عن مسلم بن عقيل(2).
ومن هؤلاء: شهاب الحارثي، فقد جاء بترجمته من «مختصر تاريخ دمشق» أنّه هو الذي قبض على حُجر بن عديّ وجماعته وأخذهم إلى معاوية، وكان والي الريّ من قبل معاوية(3).
(1) الإرشاد 2 / 4245، وانظر: تاريخ الطبري 3 / 281، الكامل في التاريخ 3 / 388389، البداية والنهاية 8 / 122123.
(2) انظر: بحار الأنوار 44 / 350.
(3) مختصر تاريخ دمشق 21 / 138 رقم 100.