وصول كتاب عبداللّه بن جعفر
وذكروا وصول كتاب عبداللّه بن جعفر إلى الإمام عليه السلام; فروى الطبري عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال:
لمّا خرجنا من مكّة، كتب عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمّد:
أمّا بعد، فإنّي أسألك باللّه لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنّك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب; والسلام.
قال: وقام عبداللّه بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه، وقال: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنّيه فيه البرّ والصلة، وتوثّق له في كتابك، وتسأله الرجوع، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع.
فقال عمرو بن سعيد: اكتب ما شئت وائتني به حتّى أختمه.
فكتب عبداللّه بن جعفر الكتاب، ثمّ أتى به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد، فإنّه أحرى أن تطمئنّ نفسه إليه، ويعلم أنّه الجدّ منك; ففعل، وكان عمرو بن سعيد عاملَ يزيد بن معاوية على مكّة.
قال: فلحقه يحيى وعبداللّه بن جعفر، ثمّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: أَقْرَأْنَاه الكتابَ، وجهدنا به، وكان ممّا اعتذر به إلينا أن قال: إنّي رأيت رؤيا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأُمرت فيها بأمر أنا ماض له، علَيَّ كان أَوْ لي.
فقالا له: فما تلك الرؤيا؟
قال: ما حدّثت أحداً بها، وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي(1).
قال: وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ.
أمّا بعد، فإنّي أسأل اللّه أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لِما يرشدك.
بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أُعيذك باللّه من الشقاق، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبداللّه ابن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبِل إليّ معهما، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار لك، اللّه علَيَّ بذلك شهيد وكفيلٌ، ومُراع ووكيل، والسلام عليك.
قال: وكتب إليه الحسين:
أمّا بعد، فإنّه لم يشاقق اللّه ورسوله من دعا إلى اللّه عزّ وجل وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين، وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة، فخير الأمان أمان اللّه، ولن يؤمن اللّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا، فنسأل اللّه مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانَه يوم القيامة، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي، فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة; والسلام»(2).
وقال الخوارزمي: «لقيه رجلٌ من بني أسد يقال له: بشر ابن غالب، فقال له الحسين: ممّن الرجل؟
قال: من بني أسد.
قال: فمن أين أقبلت؟
قال: من العراق.
قال: فكيف خلّفت أهل العراق؟
فقال: يا ابن رسول اللّه! خلّفت القلوب معك، والسيوف مع بني أُميّة.
فقال له الحسين: صدقت يا أخا بني أسد، إنّ اللّه تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قال له الأسدي: يا ابن رسول اللّه! أخبرني عن قول اللّه تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ)(3)؟
فقال له الحسين عليه السلام: نعم يا أخا بني أسد، هما إمامان: إمام هدىً دعا إلى هدىً، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة، فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنّة، وهذا ومن أجابه إلى الضلالة في النار»(4).
(1) أورده ابن كثير ـ كذلك ـ في البداية والنهاية 8 / 134.
(2) تاريخ الطبري 3 / 297، الكامل في التاريخ 3 / 402.
(3) سورة الإسراء 17: 71.
(4) مقتل الحسين 1 / 318.