كلمةٌ حول سليمان بن صرد
و «سليمان بن صرد» من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وله ترجمة في كتب الصحابة(1)، قالوا: وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وممّن حضر صِفّين معه(2)، قالوا: وكان ديّناً عابداً(3)، وكان له شرف في قومه(4).
لقد كتب سليمان إلى الإمام عليه السلام ومعه جماعة، بعد أن خطبهم في منزله بكلام لا يمكن أن يكون كلام من يريد الغدر والخديعة.
ثمّ إنّ الإمام كتب إليهم من الطريق: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد و… جماعة المؤمنين» فوصفهم بـ«المؤمنين»، لكنّ ابن زياد علم بكتابتهم إلى الإمام، كما إنّ قيساً الصيداوي الحامل لكتابه إليهم قد أُسر وقتل… كما تقدّم.
إلاّ أنّ هؤلاء لم يكونوا في كربلاء، لا مع الإمام ولا ضدّه ـ إلاّ حبيباً رحمه اللّه، الذي استشهد بين يديه ـ ، ثمّ قاموا في سنة 65(5) يطلبون بثأر الإمام بعد سنين، حتّى خرجوا إلى قتال ابن زياد وأهل الشام ومعهم أربعة آلاف، فقُتل سليمان وأصحابه إلاّ رفاعة.
فأين كانوا هذه المدّة؟! ولماذا خفي أمرهم وخبرهم؟!
فهل خذلوا الإمام بعد أن دعوه، وتركوا نصرته عن اختيار وقدرة؟!
لقد اضطربت كلمات المؤرّخين في سليمان..
فقال: بعضهم: ترك القتال معه(6).
وقال بعضهم: تخلّوا عنه(7).
وقال بعضهم: عجز عن نصره(8).
وبعضهم لم يذكر كتابته إلى الإمام، ولم يتعرّض لعدم قتاله معه(9).
وبعضهم لم يتعرّض لشيء من أخباره في حوادث سنة 65(10).
وقال الذهبي: «قال ابن عبدالبرّ: كان ممّن كاتب الحسين ليبايعه، فلمّا عجز عن نصره ندم وحارب.
قلت: كان ديّناً عابداً، خرج في جيش تابوا إلى اللّه من خذلانهم الحسين الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسمّوا جيش التوّابين»(11).
فانظر إلى الاضطراب في كلامهم، ولا سيّما كلام الذهبي هذا، فتأمّله بدقّة..
أوّلا: ليس في كلام ابن عبدالبرّ: «فلمّا عجز عن نصره ندم وحارب».
وثانياً: كيف عجز؟! وما كان عذره؟!
وثالثاً: إن كان «عاجزاً» فما معنى «ندم»؟!
ورابعاً: «خرج في جيش تابوا…» كلام مجمل.. فهو قد خرج في هذا الجيش، بل كان هو القائد، لكن هل كان من الّذين خذلوا؟!
هذا، ولا يخفى السبب في اختلاف كلماتهم واضطرابها; إذ إنّ الرجل من الصحابة، ومن رجال الصحاح الستّة(12)، وكان عابداً ديّناً شريفاً في قومه، ومثله ـ مع خطبته في داره، ثمّ الكتاب الذي كتبوه إلى الإمام، وما كتبه إليهم عليه السلام ـ لا يخذل مثل الحسين سبط رسول اللّه…
لكنّ الذهبي وغيره لا يريدون التصريح باعتقاله وجماعته، تستّراً على فضائح بني أُميّة وحكومتهم…
ومن العجب قول ابن حبّان: «وكان مع الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما، فلمّا قتل الحسين انفرد من عسكره تسعة آلاف نفس، فيهم سليمان بن صرد»(13).
وهذا أيضاً ممّا يؤكّد اضطراب المؤرّخين من أهل السُنّة في هذا المقام، وسعيهم وراء تعتيم الأخبار وكتم الحقائق، ولو بالأكاذيب… فإنّ عسكر الإمام عليه السلام كان نحو مئة نفس فقط، ولم يكن سليمان فيهم…
(1) انظر: معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ 3 / 1334 رقم 1213، الاستيعاب 2 / 649 رقم 1056، أُسد الغابة 2 / 297 رقم 2230، الإصابة 3 / 172 رقم 3459.
(2) المنتظم 4 / 203 حوادث سنة 65 هـ، سير أعلام النبلاء 3 / 395 رقم 61، تاريخ بغداد 1 / 201 رقم 41.
(3) سير أعلام النبلاء 3 / 395.
(4) المنتظم 4 / 203، تاريخ بغداد 1 / 201.
(5) وقيل سـنة 67 هـ.
(6) الاستيعاب 2 / 650.
(7) العقد الثمين 4 / 238.
(8) سير أعلام النبلاء 3 / 395 رقم 61.
(9) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 234 رقم 232.
(10) المختصر في أخبار البشر 1 / 194.
(11) سير أعلام النبلاء 3 / 395 رقم 61.
(12) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 8 / 66 رقم 2513.
(13) الثقات 3 / 160 ـ 161.