قادة جيش ابن زياد
قد عُلم ممّا تقدّم : أنّه لم يكن كلّ من كتب إلى الإمام بالقدوم شيعةً له، فقد كان فيهم الخوارج، وفيه من ليس من الشيعة، بل تبيّن فيما بعد كونه من الحزب الأُموي في الكوفة.
أمّا من كتب له من الشيعة، فمنهم من استشهد معه بكربلاء، ومنهم من اعتقل في قضية مسلم بن عقيل، أو طورد وشرّد قبل قدوم الإمام عليه السلام.
فأين هو الشيعي الذي كتب إليه بالقدوم ثمّ خرج لقتاله؟!
ويتجلّى هذا الذي توصّلنا إليه ويزداد وضوحاً، فيما إذا عرفنا قادة جيش ابن زياد في كربلاء، فإنّ قادتهم الكبار هم:
1 ـ عمر بن سعد:
فقد خرج إلى كربلاء في 4000 آلاف، كانوا قد أُعدّوا للخروج معه إلى الريّ، لقتال الديلم(1)، فلمّا جاء الإمام عليه السلام قال ابن زياد لعمر: سِرْ إليه! فإذا فرغتَ سرتَ إلى عملك(2).
وروى ابن عساكر بإسناده عن شهاب بن خراش، عن رجل من قومه، قال: كنت في الجيش الذي بعثهم عبيداللّه بن زياد إلى حسين بن عليّ، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيداللّه بن زياد إلى حسين بن عليّ، فلقيت حسيناً…»(3).
فكان هذا العدد من جيش ابن زياد معبّأً من قبل، ولا يخفى عدم وجود أحد من رجالات الشيعة فيه قطّ.
كما لا يخفى أنّ عمر بن سعد من عيون الحزب الأُموي في الكوفة، وهو ممّن كتب إلى يزيد يشكو النعمان بن بشير ويطلب منه استبداله بوال آخر، للوقوف أمام مسلم بن عقيل، وتقدّم أمره في البلد، بل كان معروفاً بين الناس بأنّه قاتل الحسين كما تقدّم(4).
2 ـ الحصين بن نمير:
وكان في 4000، وكان صاحب شرطة ابن زياد(5).
وهو الذي أخذ قيس بن مسهر وبعث به إلى ابن زياد فاستشهد.
وهو الذي عهد إليه ابن زياد حراسة سكك الكوفة لئلاّ يخرج منها مسلم بن عقيل أو أحد من أصحابه… وقد تقدّم ذلك(6).
وهو الذي أرسله ابن زياد في ألف فارس يرصد الإمام ويسايره في الطريق، لئلاّ يسمع بخبر مسلم فيرجع ولا يُقتل(7).
وهو الذي قتل حبيب بن مظاهر الأسدي رحمه اللّه(8).
وهو الذي كان على الرماة، فلمّا رأى صبر أصحاب الإمام عليه السلام تقدّم إلى أصحابه ـ وكانوا خمسمئة نابل ـ أنْ يرشقوا أصحاب الإمام بالنبل، فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأَرْجَلُوهم واشتدّ القتال(9)…
وهو الذي حمل عدداً من الرؤوس الشريفة إلى يزيد، «ثمّ أمر يزيد بإحضار من أتى برأس الحسين ومن معه، ليسألهم كيف كان قتله، فحضروا بين يديه، فقال لابن ربعي: ويلك أنا أمرتك بقتل الحسين؟!
فقال: لا، لعن اللّه قاتله.
ولم يزالوا كذلك، إلى أنْ وصل السؤال إلى الحصين بن نمير، فقال مقالتهم، ثمّ قال: أتريد أنْ أُخبرك بمن قتله؟!
فقال: نعم.
قال: أعطني الأمان.
فقال: لك الأمان.
فقال: إعلم ـ أيّها الأمير ـ أنّ الذي عقد الرايات، ووضع الأموال، وجيّش الجيوش، وأرسل الكتب، وأوعد ووعد، هو الذي قتله!
فقال: من فعل ذلك؟!
فقال: أنت!
فغضب منه ودخل منزله، ووضع الطشت الذي فيه رأس الحسين بين يديه وجعل يبكي ويلطم على وجهه ويقول: ما لي وللحسين؟!…»(10).
وهو الذي قاد الجيش لحرب ابن الزبير في الحرم، فنصب المنجنيق فضرب به الكعبة، وكان ما كان ممّا هو مذكور في الكتب…(11).
ثمّ إنّ هذا الرجل قاد جيش الشام لمحاربة التوّابين، وكان أهل الشام نحواً من أربعين ألفاً، وفيهم: عبيداللّه بن زياد، وفيهم من قتلة الحسين: عمير بن الحباب، وفرات بن سالم، ويزيد بن الحضين، وأُناس سوى هؤلاء كثير…(12).
فاستشهد في هذه المعركة: سليمان بن صرد والمسيَّب بن نجبة وكثير من أهل العراق، وقُتل من أهل الشام: ابنُ زياد والحصين بن نمير وشراحيل بن ذي الكلاع وآخرون.
هذا، والحصين بن نمير من أهل مدينة «حمص» بالشام، قال ابن حجر عن الكلبي: «إنّه كان شريفاً بحمص، وكذا وَلده يزيد وحفيده معاوية ابن يزيد، وَلِيا إمرةَ حمص»(13).
قلت: وأهل حمص في ذلك الزمان من النواصب..
قال ياقوت الحموي: «إنّ أشدّ الناس على عليّ رضي اللّه عنه بصِفّين مع معاوية كان أهل حمص، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه»(14).
3 ـ شبث بن ربعي:
وكان في 1000.
وهذا الرجل وإنْ كان ممّن كاتب الإمام عليه السلام، إلاّ أنّه كان من الخوارج، المتعاملين مع حكومة بني أُميّة… نعم كان قبل ذلك ـ في زمن أمير المؤمنين ـ من الشيعة… وقد تقدّم بعض الكلام على حروريّته(15).
قالوا: ومات بالكوفة في حدود الثمانين(16).
4 ـ حجّار بن أبجر:
جاء إلى كربلاء في 1000.
وهذا الرجل وإن كان ممّن كاتب الإمام عليه السلام، فقد كان من غير الشيعة قطعاً… وقد ذكره علماء الرجال فلم يشيروا إلى شيء من أحواله.
قال البخاري: «حجّار بن أبجر البكري، سمع عليّاً ومعاوية. روى عنه سماك. قال وكيع: العجلي يعدّ في الكوفيّين»(17).
وكذا قال ابن أبي حاتم، قال: «سمعت أبي يقول ذلك»(18).
هذا، وقد قام هذا الرجل في عشيرته ضدّ المختار ـ لمّا قام للطلب بثأر الإمام ـ في وقعة جبّانة السبيع(19).
5 ـ الحرّ بن يزيد الرياحي:
كان على رأس 1000.
ولم يكن ممّن كاتب الإمام عليه السلام، وقصّته معه معروفة، تقدّم ذِكر طرف منها، فقد كان مأموراً بأن يأخذ الإمام في طريق ـ كما قال له ـ : «خذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى الحجاز» حتّى يأتي رأي ابن زياد(20).
ثمّ جاءه كتاب ابن زياد أن لا يحلّ الإمامَ «إلاّ بالعراء، على غير خَمَر ولا ماء».
وتحوّله، ثمّ استشهاده بين يديه عليه السلام، عبرةٌ للمعتبرين.
6 ـ شمر بن ذي الجوشن:
وكان في 4000(21).
وكان من أوّل أمره من أصحاب ابن زياد، وكان ممّن أمره بأنْ يخذّلوا الناس عن مسلم، ويخوّفوهم الحرب، ويحذّروهم عقوبة السلطان(22).
وممّا يشهد بكونه من أوّل الأمر من أخصّ أصحاب ابن زياد: أنّ عبيداللّه بن زياد بعثه فقال: «إذهب، فإنْ جاء حسين على حكمي وإلاّ فمُرْ عمر بن سعد أنْ يقاتلهم، فإنْ تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه، ثمّ أنت الأمير على الناس…»(23).
وروى ابن عساكر، بإسناده عن أبي إسحاق السبيعي: «كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي لا يكاد أو لا يحضر الصلاة، فيجيء بعد الصلاة فيصلّي، ثمّ يقول: اللّهمّ اغفر لي، فإنّي كريم لم تلدني اللئام…»(24).
وفي رواية ابن حجر: «روى أبو بكر ابن عيّاش، عن أبي إسحاق، قال: كان شمر يصلّي معنا ثمّ يقول: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي.
قلت: كيف يغفر اللّه لك وقد أعنت على قتل ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟!
قال: ويحك! فكيف نصنع؟! إنّ أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم لكنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاة!
قال ابن حجر: إنّ هذا لعذر قبيح، فإنّما الطاعة في المعروف»(25).
7 و 8 ـ قيس ومحمّد ابنا الأشعث بن قيس:
كانا من قادة جيش ابن زياد.
وكان محمّد في 1000 فارس(26)… وكان هو وعبيداللّه ابن عبّاس السلمي وبكر بن حمران… قد قاتلوا مسلم بن عقيل وألقوا القبض عليه(27).
ولم يُذكر اسمه في مَن كاتب الإمام، وإنّما هو أخوه: قيس، وهو ممّن ناشده الإمام عليه السلام يوم عاشوراء.
وقد اتّسمت هذه الأُسرة ببغض أهل البيت عليهم السلام، وصدرت منهم أنواع الأذى، فالأشعث بن قيس أبوهم من كبار الخوارج، وكان له ضلع في قتل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام(28).
وابنته جعدة سمّت الإمام الحسن عليه السلام بإيعاز من معاوية(29).
وابناه محمّد وقيس شاركا في قتل سيّدنا مسلم بن عقيل ومولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
وقد ذكر ابن كثير، أنّه لمّا ناشد الإمام شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وقيس بن الأشعث ويزيد بن الحارث… «قال له قيس بن الأشعث: ألا تنزل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يؤذوك، ولا ترى منهم إلاّ ما تحبّ؟!
فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أنْ تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟! لا واللّه، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لهم إقرار العبيد»(30).
9 ـ يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم:
وكان في 2000.
وكان هذا الرجل ممّن كتب إلى الإمام عليه السلام بالقدوم.
وهو ممّن ناشده الإمام يوم عاشوراء.
وعداده في الحزب الأُموي في الكوفة، وقد كان يتجسّس للحكومة هناك، مع عمر بن سعد وشبث بن ربعي، على سليمان بن صرد والمختار وجماعة الشيعة(31).
10 ـ عمرو بن حريث:
ومن القادة: «عمرو بن حريث».
وهو الذي عقد له ابن زياد رايةً في الكوفة وأمّره على الناس(32).
وهو الذي صلب رُشيد الهجري على باب داره(33).
وبقي على ولائه لبني أُميّة حتّى كان خليفة ابن زياد على الكوفة(34).
11 ـ عمرو بن الحجّاج:
ومن القادة: «عمرو بن الحجّاج الزبيدي».
وكان مِن جملة مَن كتب إلى الإمام عليه السلام بالقدوم.
وهو من رؤساء الحزب الأُموي بالكوفة.
وهو الذي خاطب جيش ابن زياد قائلا: «يا أهل الكوفة! إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام»(35).
وقد قاد هذا الرجل العسكر لاحتلال شاطئ الفرات وقطع الماء عن الإمام وأهل بيته عليهم السلام، حتّى إنّه خاطبه رافعاً صوته: «يا حسين! إنّ هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، واللّهِ لا تذوق منه جرعةً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم»(36).
وبقي الرجل على ولائة لبني أُميّة، حتّى حارب المختارَ بعد قيامه… ثمّ إنّه لاذ بالفرار، فروى البلاذري أنّه هرب فسقط من العطش، فلحقه أصحاب المختار وبه رمق، فذبحوه واحتزّوا رأسه(37).
12 ـ عزرة بن قيس:
ومن القادة «عزرة بن قيس».
كان على خيل أهل الكوفة(38).
ولمّا طلب منه ابن زياد أن يبعثه إلى الإمام عليه السلام أبى، معتذراً بأنّه ممّن كتب إليه بالقدوم(39).
وهو أيضاً من رجال الحزب الأُموي بالكوفة.
وترجم له في «مختصر تاريخ دمشق»، وأنّه وَلي حُلوان في خلافة عمر، وغزا شهرزور منها فلم يفتحها(40).
(1) وهذا أيضاً من الأُمور الجديرة بالبحث والتحقيق; فإنّا نظنُّ أنّ إعداد هذا الجيش كان لحرب الإمام عليه السلام، وإنّما قيل للناس إنّه لقتال الديلم تغطيةً للواقع حتّى لا ينكشف، وتخديعاً للناس حتّى يجتمعوا.
(2) انظر: تاربخ الطبري 3 / 310 حوادث سنة 61 هـ، الاستيعاب 1 / 394، أنساب الأشراف 3 / 385، الأخبار الطوال: 253، الفتوح 5 / 95، بغية الطلب 6 / 2615، روضة الواعظين 1 / 411، لواعج الأشجان: 105.
(3) تاريخ دمشق 14 / 215، وانظر: تاريخ الطبري 3 / 310، الفتوح 5 / 92، أنساب الأشراف 3 / 385، الأخبار الطوال: 254.
(4) انظر: الاستيعاب 1 / 393 ـ 394.
(5) تاريخ الطبري 3 / 308، روضة الواعظين 1 / 405.
(6) تقدّم في الصفحات 288 ـ 290.
(7) نور العين في مشهد الحسين: 31.
(8) انظر: تاريخ الطبري 3 / 327، مناقب آل أبي طالب 4 / 112، البداية والنهاية 8 / 146.
(9) انظر: الإرشاد 2 / 69.
(10) نور العين في مشهد الحسين: 70; وقد تقدّم في الصفحتين 205 ـ 206.
(11) أنساب الأشراف 5 / 349، تاريخ الطبري 3 / 360، تاريخ دمشق 14 / 382 و 387.
(12) الأخبار الطوال: 293.
(13) الإصابة 2 / 92.
(14) معجم البلدان 2 / 349 رقم 3914.
(15) راجع الصفحة 325.
(16) تقريب التهذيب 1 / 411 رقم 2743.
(17) التاريخ الكبير 3 / 130 رقم 438.
(18) الجرح والتعديل 3 / 312 رقم 1388.
(19) أنساب الأشراف 6 / 398.
(20) انظر مثلا: أنساب الأشراف 3 / 381، الأخبار الطوال: 250 ـ 251، تاريخ الطبري 3 / 306، المنتظم 4 / 151 ـ 152، البداية والنهاية 8 / 138، بحار الأنوار 44 / 378.
(21) بحار الأنوار 44 / 315.
(22) بحار الأنوار 44 / 349.
(23) البداية والنهاية 8 / 140.
(24) تاريخ دمشق 23 / 189.
(25) لسان الميزان 3 / 152 ـ 153 رقم 546.
(26) بحار الأنوار 44 / 315.
(27) بحار الأنوار 44 / 352.
(28) انظر: الإرشاد 2 / 98.
(29) راجع الصفحة 133 هـ 2.
(30) البداية والنهاية 8 / 143، وانظر: تاريخ الطبري 3 / 319، المنتظم 4 / 155.
(31) انظر «أمر التوّابين» في أنساب الأشراف 6 / 367 و 381.
(32) بحار الأنوار 44 / 352.
(33) لسان الميزان 2 / 461 رقم 1859 ترجمة رُشيد.
(34) أنساب الأشراف 6 / 376.
(35) انظر: تاريخ الطبري 3 / 324، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 2 / 15، الكامل في التاريخ 2 / 565.
(36) انظر: أنساب الأشراف 3 / 390، تاريخ الطبري 3 / 311.
(37) أنساب الأشراف 6 / 410.
(38) انظر: سفينة البحار 1 / 682 مادّة «شبث».
(39) انظر: الإرشاد 2 / 38، تاريخ الطبري 3 / 310.
(40) مختصر تاريخ دمشق 17 / 33 رقم 7.