بين الإمام و عبيداللّه بن الحرّ في قصر بني مقاتل
وسار الإمام عليه الصلاة والسلام حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل، فنزل به، فرأى فسطاطاً مضروباً فقال: لمَنْ هذا؟
فقيل: لعبيد اللّه بن الحُرّ الجُعفيّ.
فقال: ادعوه لي!
فلمّا أتاه الرسول يدعوه قال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، واللّه ما خرجتُ من الكوفة إلاّ كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها، واللّه ما أُريد أن أراه ولا يراني.
فعاد الرسولُ إلى الحسين فأخبره، فلبس الحسين نعلَيْه ثمّ جاء فسلّم عليه ودعاه إلى نصره، فأعاد عليه ابن الحُرّ تلك المقالة، قال: فإلاّ تنصرني فاتّقِ اللّه أن تكون ممّن يقاتلنا، فواللّه لا يسمع واعيتَنا أحدٌ ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك.
فقال له: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ قام الحسين إلى رحله، ثمّ سار ليلا ساعةً فخفق برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين.
فأقبل إليه ابنُه عليّ بن الحسين، فقال: يا أبتِ جُعلتُ فداك! مِمّ حمدتَ واسترجعتَ؟
قال: يا بنيّ إنّي خفقتُ ]برأسي[ خفقةً فعنّ لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم; فعلمتُ أنّ أنفسنا نُعيت إلينا.
فقال: يا أبتِ لا أراك اللّهُ سُوءاً، ألسنا على الحقّ؟!
قال: بلى والذي يرجع إليه العباد.
قال: إذاً لا نبالي أن نموت محقّين.
فقال له: جزاك اللّه من ولد خيراً ما جزى ولداً عن والده.
فلمّا أصبح نزل فصلّى ثمّ عجّل الركوبَ فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم، فأتى الحُرّ فردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه وارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون حتّى انتهوا إلى نِينَوى»(1).
(1) انظر: الكامل في التاريخ 3 / 410 ـ 411، تاريخ الطبري 3 / 308 ـ 309.