الأمر الرابع:
إنّه إذا كان الإمام عليه السلام عارفاً بوظيفته وعالماً بمصيره، وكان المسلمون كلّهم مأمورين بنصرته… وهو يقول في رسالته إلى بني هاشم: «من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ ـ أو: لم يدرك ـ الفتح»(1)…
فما معنى نهي من نهاه عن الخروج من الحجاز؟!
وأيّ معنى لقول ابن عمر للإمام عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيّره اللّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنّكَ بضعةٌ منه ولا تعطاها ـ يعني الدنيا ـ»(2)؟!
أكان ابن عمر جاهلا بحقّ الإمام؟! أو كان انحيازه عن أهل البيت إلى هذه الدرجة من البعد والانحراف؟!
أمّا ابن عبّاس، فقد قال له الإمام أوّلا: «إنّك شيخ قد كبرت»، ثمّ قال: «لأنْ أُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي ـ يعني مكّة ـ »(3)، فاستسلم ابن عبّاس وسكت.
وسنذكر كلمات أُخرى للإمام عليه السلام قالها لدى خروجه من مكّة نحو العراق.
هذا، وسيقع بحثنا في فصول:
(1) بصائر الدرجات: 501 ـ 502 ح 5، كامل الزيارات: 75 ب 23 ح 15، وعنهما في: بحار الأنوار 45 / 84 ـ 85 ح 13 و ص 87 ح 23.
(2) انظر: أنساب الأشراف 3 / 375، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 425، تاريخ دمشق 14 / 208، سير أعلام النبلاء 3 / 296، بغية الطلب 6 / 2608.
(3) انظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 428، تاريخ دمشق 14 / 211، بغية الطلب 6 / 2611.