وإنّ من الضروري، قبل الورود في البحث، التعرّض للأُمور التالية باختصار شديد…
الأمر الأوّل:
إنّ حال الإمام الحسين عليه السلام حال جميع الأنبياء الكرام في الأُمم السابقة، وحال جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في هذه الأُمّة… وكذلك حال سائر أولياء اللّه والمصلحين الإلهيّين… فلقد أدّى كلٌّ منهم رسالته في أُمّته، سواء استجابت له أو لا… وصبر على ما لقيه من أصحابه وغيرهم من الأذى والبلاء.
والقرآن الكريم مشحونٌ بأنباء الرسل والأنبياء…
وقد تنبّه لهذا المعنى في خصوص أمر الإمام أبي عبداللّه الشهيد هلالُ بن نافع…
فإنّه لمّا بلغ الإمامَ خبرُ شهادة مسلم بن عقيل بالكوفة، استعبر باكياً ثمّ قال: «اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريماً عندك، واجمع بيننا وإيّاهم في مستقرّ رحمتك، إنّك على كلّ شيء قدير»، وثب إليه هلال فقال:
«يا ابن بنت رسول اللّه! تعلم أنّ جدّك رسول اللّه لا يقدر أن يشرب الخلائق محبّته، ولا أن يرجعوا من أمرهم إلى ما يحبّ، وقد كان منهم منافقون يبدونه النصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلى من العسل ويلحقونه بأمرّ من الحنظل، حتّى توفّاه اللّه عزّ وجلّ.
وإنّ أباك عليّاً قد كان في مثل ذلك، فقوم أجمعوا على نصره وقاتلوا معه المنافقين والفاسقين والمارقين والقاسطين، حتّى أتاه أجله.
وأنتم اليوم عندنا في مثل ذلك الحال (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)(1) واللّه يغني عنه، فسر بنا راشداً، مشرّقاً إنْ شئت أو مغرّباً، فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، ولا كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا على نيّاتنا ونصرتنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك»(2).
(1) سورة الفتح 48: 10.
(2) انظر: الفتوح ـ لابن أعثم ـ 5 / 93.