3 ـ كتاب ابن عبّاس إلى يزيد
«وقال شقيق بن سلمة(1): لمّا قُتل الحسين ثار عبدُ اللّه بن الزبير، فدعا ابن عبّاس إلى بيعته فامتنع، وظنّ يزيد أنّ امتناعه تمسّك منه ببيعته، فكتب إليه:
أمّا بعد، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته، وأنّك اعتصمت ببيعتنا وفاءً منك لنا، فجزاك اللّه من ذي رحم خير ما يجزي الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم، فما أنْسَ من الأشياء فلستُ بناس برّك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل، فانظر من طلع عليك من الآفاق ممّن سحرهم ابن الزبير بلسانه فأعلِمهم بحاله، فإنّهم منك أسمع الناس، ولك أطوع منهم للمحلّ.
فكتب إليه ابن عبّاس:
أمّا بعد، فقد جاءني كتابك، فأمّا تركي بيعة ابن الزبير فواللّه ما أرجو بذلك برّك ولا حمدك، ولكنّ اللّهَ بالذي أنوي عليم.
وزعمت أنّك لست بناس برّي، فاحبس أيّها الإنسان برّك عنّي، فإنّي حابس عنك برّي.
وسألت أن أُحبّب الناس إليك وأُبغّضهم وأُخذّلهم لابن الزبير، فلا، ولا سرور ولا كرامة، كيف؟! وقد قتلت حسيناً وفتيان عبدالمطّلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام! غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرمّلين بالدماء، مسلوبين بالعراء، مقتولين بالظماء، لا مكفّنين ولا موسّدين، تسفي عليهم الرياح، وينشئ بهم عرج البطاح، حتّى أتاح اللّه بقوم لم يشركوا في دمائهم كفّنوهم وأجنّوهم، وبي وبهم لو عززتَ وجلست مجلسك الذي جلست..
فما أنسَ من الأشياء فلستُ بناس اطّرادك حسيناً من حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حرم اللّه، وتسييرك الخيول إليه، فما زلتَ بذلك حتّى أشخصته إلى العراق، فخرج خائفاً يترقّب، فنزلَتْ به خيلُك عداوةً منك للّه ولرسوله ولأهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فطلب إليكم الموادعة، وسألكم الرجعة، فاغتنمتم قلّة أنصاره واستئصال أهل بيته، وتعاونتم عليه كأنّكم قتلتم أهل بيت من الترك والكفر.
فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودّي، وقد قتلت ولد أبي، وسيفك يقطر من دمي، وأنت أحد ثأري، ولا يعجبك أن ظفرت بنا اليوم، فلنظفرنّ بك يوماً; والسلام»(2).
(1) هو: شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وله مئة سنة، من رجال الكتب الستّة. قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب 1 / 421 رقم 2826، وانظر: تحرير تقريب التهذيب 2 / 119 رقم 2816.
(2) الكامل في التاريخ 3 / 466 ـ 467 حوادث سنة 64 هـ ، وانظر: تاريخ اليعقوبي 2 / 161 ـ 164.