3 ـ بذل الأموال
ومن جملة أساليبه للعهد ليزيد: بذل الأموال على الوفود إليه والشخصيّات في الحجاز وغيرها، فقد ذكروا أنّه أشار على المغيرة بن شعبة أن يوفد إليه وفداً من الكوفة يطالبونه بالعهد ليزيد والبيعة معه، فأرسل أربعين رجلا من وجوه الكوفة، وأمَّر عليهم ابنه عروة بن المغيرة، فدخلوا على معاوية فقاموا خطباء، فذكروا أنّه إنّما أشخصهم إليه النظر لأُمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا أمير المؤمنين! كبرت سنّك وتخوّفنا الانتشار من بعدك; يا أمير المؤمنين، أَعْلِمْ لنا علماً وحُدَّ لنا حدّاً ننتهي إليه.
قال: أشيروا علَيَّ.
قالوا: نشير عليك بيزيد ابن أمير المؤمنين.
قال: وقد رضيتموه؟
قالوا: نعم.
قال: وذاك رأيكم؟
قالوا: نعم، ورأي مَن بعدنا.
فأصغى إلى عروة ـ وهو أقرب القوم منه مجلساً ـ فقال: للّه أبوك! بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟
قال: بأربعمئة.
قال: لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً(1).
قالوا: وأعطى معاوية شخصيّات وفد البصرة جوائز، كلّ واحد مئة ألف درهم، وكان فيهم الحتات التميمي ـ وكان عثماني الهوى ـ ، فأعطاه سبعين ألفاً، فرجع إلى معاوية، فقال: ما ردّك يا أبا مُنازل؟
قال: فضحتني في بني تميم، أَمَا حسبي صحيح؟! أَوَلستُ ذا سنّ؟! أَوَلستُ مطاعاً في عشيرتي؟!
قال معاوية: بلى.
قال: فما بالك خَسَسْتَ بي دون القوم؟!
فقال: إنّي اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفّان ـ وكان عثمانياً ـ .
قال: وأنا فاشترِ منّي ديني.
فأمر له بتمام جائزة القوم، فمات قبل أن يقبضها(2).
وكما جاء في المصادر، فإنّه وعد مروان «بالأموال له ولأهل بيته»، وكذلك فعل مع غيره من وجوه الناس:
فلقد أعطى عبدَ اللّه بن عمر بن الخطّاب 000/100 درهم، فقبل وسكت(3)…
وأعطى عبدَ الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة 000/100 درهم أيضاً، فردّها وقال: لا أبيع ديني بدنياي(4).
وأعطى يزيدُ بن معاوية المنذرَ بن الزبير بن العوّام 000/100 درهم، فأخذها وقال للناس: «إنّ يزيد واللّه لقد أجازني بمئة ألف درهم، وإنّه لا يمنعني ما صنع إليَّ أنْ أُخبركم خبره وأصدقكم عنه، واللّه إنّه ليشرب الخمر، وإنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة»(5).
(1) تاريخ دمشق 40 / 298، الكامل في التاريخ 3 / 350 حوادث سنة 56 هـ .
(2) انظر: تاريخ دمشق 10 / 278 ـ 279، الكامل 3 / 322 في التاريخ، تاريخ الطبري 3 / 211 حوادث سنة 50 هـ .
(3) فتح الباري 13 / 87 ح 7114.
(4) انظر: البداية والنهاية 8 / 72 حوادث سنة 58 هـ ، الإصابة 4 / 328 رقم 5155، المستدرك على الصحيحين 3 / 542 ح 6015.
(5) تاريخ الطبري 3 / 350 ـ 351 حوادث سنة 62 هـ .