وصول رأس الإمام إلى يزيد
وقد سُرّ يزيد بقتل الإمام ووصول رأسه الشريف إليه كما تقدّم.
ثمّ روى ابن سعد، قال: «وقدم برأس الحسين محفّز بن ثعلبة العائذي ـ عائذة قريش ـ على يزيد، فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم.
فقال يزيد: ما ولدت أُمّ محفّز أحمق وألأم، لكنّ الرجل لم يقرأ(1)كتاب اللّه (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وتُذِلُّ مَن تَشَاء)(2).
ثمّ قال بالخيزرانة بين شفتَي الحسين، وأنشأ يقول:
يفلّقن هاماً من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
والشعر لحصين بن الحُمَام المرّي.
فقال له رجل من الأنصار ـ حضره ـ : إرفع قضيبك هذا! فإنّي رأيت رسول اللّه بقبّل الموضع الذي وضعته عليه.
قال: أخبرنا كثير بن هشام، قال: حدّثنا جعفر بن برقان، قال: حدّثنا يزيد بن أبي زياد، قال: لمّا أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن عليّ، جعل ينكت بمخصرة معه سِنَّه ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبداللّه يبلغ هذا السنّ.
قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود»(3).
وروى الطبراني تمثّله بالشعر المذكور، وقد تقدّمت روايته(4).
وقال البلاذري: «حدّثني عمرو الناقد وعمرو بن شبّة، قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن عمّه فضيل بن الزبير; وعن أبي عمر البزّار، عن محمّد بن عمرو بن الحسن، قال:
لمّا وضع رأس الحسين بن عليّ بين يدي يزيد قال متمثّلا:
يفلّقن هاماً من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما»(5)
قال: «قالوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه»(6).
وروى ابن الجوزي: «فلمّا وصلت الرؤوس إلى يزيد جلس، ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثمّ وضع الرأس بين يديه وجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول:
يفلّقن هاماً من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما»(7)
وقد روى ذلك بعدّة أسانيد…
ثمّ روى بإسناده عن الليث، عن مجاهد، قال: «جيء برأس الحسين بن عليّ، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثّل هذين البيتين:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثمّ قالوا لي بغيب لا تشل
قال مجاهد: نافق فيها. ثمّ واللّه ما بقي في عسكره أحد إلاّ تركه. أي عابه وذمّه»(8).
ورواه ابن كثير ـ ولم يطعن في سنده، إلاّ أنّه قال في محمّد بن حميد الرازي: «هو شيعي»، وذكر بيتين بعدهما:
حين حكت بفناء بركها *** واستحرّ القتل في عبدالأسل
قد قتلنا الضعفَ من أشرافكم *** وعدلنا ميلَ بدر فاعتدل»(9)
أمّا الذهبي، فقد أسقط من الأخبار كلّ الأشعار(10)!!
لكنّ الأبيات في تاريخ الطبري ـ في كتاب المعتضد العبّاسي ـ خمسة، وخامسها الذي لم يذكروه:
ولعت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل(11)
وقال ابن أعثم الكوفي: إنّ يزيد زاد من نفسه:
لستُ من عتبة إنْ لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل(12)
(1) جاءت العبارة هنا: «لكنّ الرجل لم يقرأ»..
وفي تاريخ الطبري 3 / 340: «لكنّه أُتي من قبل فقهه، ولم يقرأ…»..
وفي البداية والنهاية 8 / 156: «ولكنّه إنّما أُتي من قلّة فقهه، لم يقرأ…»..
وفي سير أعلام النبلاء 3 / 315: «لكنّ الرجل لم يتدبّر كلام اللّه»..
أقول: كأنّهم يريدون تهذيب العبارة!!
(2) سورة آل عمران 3: 26.
(3) الطبقات الكبرى 6 / 447 ـ 448.
(4) تقدّمت في الصفحة 196.
(5) أنساب الأشراف 3 / 415 ـ 416.
(6) أنساب الأشراف 3 / 416.
(7) الردّ على المتعصّب العنيد: 45.
(8) الردّ على المتعصّب العنيد: 47 ـ 48.
(9) البداية والنهاية 8 / 153 ـ 154.
(10) انظر: سير أعلام النبلاء 3 / 309.
(11) تاريخ الطبري 5 / 623.
(12) الفتوح 5 / 151.