ندم يزيد!!
ثمّ إنّ الناس بدأوا يعرفون الحقيقة..
من خطب الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام.. وكلماته..
من بيانه عليه السلام المراد من آية المودّة في القربى..
من كلمات العقيلة زينب الكبرى عليها السلام في مجلس يزيد، وفي مجالسها مع النساء…
من إقامة المناحة على الإمام وأهل بيته وأصحابه ثلاثة أيّام في الشام.. في داخل قصر يزيد…
عرفوا مظلوميّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام..
كلّ هذا من جهة..
ومن جهة أُخرى..
من أقوال يزيد..
ومن أفعاله..
ومن الأشعار التي أنشأها أو تمثّل بها..
عرفوا أنّ يزيد هو نفسه يزيد الفجور والخمور والكفر والفسوق..
عرفوا أنّه على الباطل، وأنّ الحقّ مع الإمام الحسين الذي أبى أن يبايعه.. حتّى قتل مظلوماً شهيداً..
وحينئذ.. أبدى يزيد الندم.. لأنّه:
عرف أنّه قد افتُضح، وفضح أباه وقومه..
عرف أنّ الناس أبغضوه ومقتوه وعادوه..
عرف أنّ ملكه سيزول..
قال الطبري: «وحدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّى، أنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه، قال: لمّا قَتل عبيدُ اللّه بن زياد الحسينَ بن عليّ عليه السلام وبني أبيه، بعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية، فسُرَّ بقتلهم أوّلا، وحسنت بذلك منزلة عبيدِ اللّه عنده، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلا حتّى ندم على قتل الحسين، فكان يقول:
وما كان علَيَّ لو احتملت الأذى وأنزلته معي في داري، وحكّمته في ما يريد، وإن كان علَيَّ في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظاً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورعاية لحقّه وقرابته، لعن اللّه ابن مرجانة، فإنّه أخرجه واضطرّه، وقد كان سأله أن يخلّي سبيله ويرجع، فلم يفعل، أو يضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتّى يتوفّاه اللّه عزّ وجلّ، فلم يفعل، فأبى ذلك وردّه عليه وقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فبغضني البرُّ والفاجرُ بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، ما لي ولابن مرجانة؟! لعنه اللّه وغضب عليه»(1).
ونقله الذهبي عن الطبري، ولم يتعقّبه بشيء(2).
وكذا ابن الأثير، قال: «وقيل: لمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً حتّى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين، فكان يقول: وما علَيَّ لو احتملت الأذى…»(3).
وقال السيوطي: «ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلا، ثمّ ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه الناس، وحقَّ لهم أن يبغضوه»(4).
أقول:
وهكذا ينكشف السرّ في حمل الإمام عليه السلام عيالاته وأطفاله معه إلى كربلاء، مع علمه بأنّه سيقتل…
(1) تاريخ الطبري 3 / 365 حوادث سنة 64 هـ .
(2) تاريخ الإسلام 2/ 369 حوادث سنة 61 هـ ، سير أعلام النبلاء 3 / 317.
(3) الكامل في التاريخ 3 / 439.
(4) تاريخ الخلفاء: 248.