فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد، دعا سرجون مولى معاوية فقال: ما رأيك؟ إنّ حسيناً قد وجّه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان بن بشير ضعفٌ وقول سيّئ، فمن ترى أنْ أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتباً على عبيداللّه بن زياد.
فقال له سرجون: أرأيت معاوية لو نُشر لك حيّاً، أما كنت آخذاً برأيه؟
قال: نعم.
قال: فأخرج سرجون عهد عبيداللّه بن زياد على الكوفة وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب، فضُمّ المِصرَين إلى عبيداللّه بن زياد.
فقال له يزيد: أفعل، ابعثْ بعهد عبيداللّه إليه(1).
ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيداللّه بن زياد معه:
أمّا بعد، فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبروني أنّ ابن عقيل بها، يجمع الجموع ويشقّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا، حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه. والسلام.
وسلّم إليه عهده على الكوفة(2).
ولمّا سمع مسلم بن عقيل رحمه اللّه بمجيء عبيداللّه بن زياد الكوفةَ، ومقالته التي قالها، وما أخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة فدخلها، وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستُّر واستخفاء من عبيداللّه، وتواصَوا بالكتمان(3).
من هو النعمان بن بشير؟
ويبقى أن نعرف النعمان بن بشير؟ ومتى نصب على الكوفة؟ وهل كان ضعيفاً كما توهّم القوم؟ وهل غضب عليه يزيد؟
لقد كان الوالي قبله على الكوفة: عبداللّه بن خالد، فعزله معاوية وولّى النعمان بن بشير(4). ثمّ لمّا ولّى يزيد عبيدَ اللّه بن زياد على الكوفة ـ إضافةً إلى البصرة ـ ارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام(5).
قال الذهبي: وكان النعمان بن بشير منقطعاً إلى معاوية.
وإنّه لمّا عُزل عن الكوفة ورجع إلى الشام ولي قضاء دمشق، ثمّ ولي إمرة حمص مدّةً(6)…
وكان النعمانُ أحدَ رسلِ يزيدَ إلى ابن الزبير(7).
وكان الرجل ـ كأبيه ـ من رجالات حركة النفاق(8)…
ومن كلّ ذلك نفهم:
* أوّلا: إنّ لنصبه على الكوفة من قبل معاوية قبيل وفاته سرّاً…
* وثانياً: إنّ يزيد أقرّه عليها.
* وثالثاً: إنّ يزيد لم يغضب عليه لتهاونه ـ بحسب الظاهر ـ أمام تحرّكات مسلم بن عقيل وأصحابه، بل ولاّه الولايات، وكان من المقرّبين عنده حتّى اليوم الأخير.
* ورابعاً: إنّ دوره ومنزلته ومسؤوليّته كانت بحيث إنّه لم يُعْنَ باعتراضات عيون بني أُميّة وشيعة يزيد في الكوفة… لكنّهم كانوا لا يعلمون بالخطّة.
(1) تجد خبر عهد معاوية بتولية ابن زياد على الكوفة وإشارة سرجون بذلك في: أنساب الأشراف 5 / 407، تاريخ الطبري 3 / 280، الفتوح 5 / 40 ـ 41، العقد الفريد 3 / 364، مقتل الحسين 1 / 287، البداية والنهاية 8 / 122، الإصابة 2 / 79، تهذيب التهذيب 2 / 349 رقم 615، الإمامة والسياسة 2 / 8، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 432، تاريخ دمشق 37 / 438، الكامل في التاريخ 3 / 387، تهذيب الكمال 4 / 494 رقم 1305.
(2) الإرشاد 2 / 42 ـ 43.
(3) الإرشاد 2 / 45.
(4) الأخبار الطوال: 225.
(5) الأخبار الطوال: 233.
(6) انظر: تاريخ دمشق 62 / 111 رقم 7897، أخبار القضاة ـ لوكيع ـ 3 / 201، الإصابة 6 / 440 رقم 8734، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 8 / 176 رقم 2757، الاستيعاب 4 / 1498 و 1499 رقم 2614.
(7) الأخبار الطوال: 263.
(8) فقد تقلّد هو المناصب الخطيرة لبني أُميّة.
أمّا أبوه فقد كان أحد رجالات أحداث السقيفة; انظر: المنتظم 3 / 16، الكامل في التاريخ 2 / 194، البداية والنهاية 5 / 188.