وهكذا… تمكّن معاوية من القضاء على كلّ من يحتمل أن يكون وجوده مزاحماً لولاية يزيد أو يكون معارضاً، وتمكّن من إكراه الناس على البيعة.
وقد نصّ العلماء ـ كالحافظ الذهبي ـ على أنّه قد أكره الناس على بيعة يزيد(1).
هذا، ولقد كان معاوية يقول: «لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي»(2).
ثمّ قال ليزيد: «يا بني! إنّي قد كفيتك الرحلة والرجال، ووطّأت لك الأشياء، وذلّلت لك الأعزّاء، وأخضعت لك أعناق العرب»(3).
وفي لفظ آخر: «يا بني! إنّي قد كفيتك الشدّ والترحال، ووطّأت لك الأُمور، وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك رقاب العرب، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد»(4).
وفي رواية ابن أعثم: «إنّي من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة، ودفعت حقّ عليّ بن أبي طالب، وحملت الوزر على ظهري»(5).
من الكتب بين الإمام الحسين عليه السلام و معاوية
وذكر ابن قتيبة ما كتب به معاوية إلى الإمام الحسين عليه السلام:
«أمّا بعد، فقد انتهت إليَّ منك أُمور، لم أكن أظنّك بها رغبةً عنها، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة مَن كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتّق اللّه ولا تردنّ هذه الأُمّة في فتنة، وانظر لنفسك ودينك وأُمّة محمّد (وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ)(6)»(7).
قال: «وكتب إليه الحسين رضي اللّه عنه: أمّا بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أُمور، لم تكن تظنّني بها رغبة بي عنها…»(8).
فذكر الإمام عليه السلام جملةً من مساوئ معاوية ومخازيه وما ارتكبه من الظلم والقتل للأخيار، في كتاب طويل… جاء في آخره:
«واعلم، أنّ للّه كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، واعلم، أنّ اللّه ليس بناس لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ وقد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة»(9).
(1) تاريخ الإسلام 2 / 294 حوادث سنة 60 هـ .
(2) الفتوح ـ لابن أعثم ـ 4 / 249، نسب قريش: 127، سير أعلام النبلاء 3 / 156 رقم 25.
(3) البداية والنهاية 8 / 93 حوادث سنة 60 هـ .
(4) الكامل في التاريخ 3 / 368، وانظر: الفتوح ـ لابن أعثم ـ 4 / 354، نهاية الأرب 20 / 365.
(5) الفتوح 4 / 354.
(6) سورة الروم 30: 60.
(7) الإمامة والسياسة 1 / 201.
(8) الإمامة والسياسة 1 / 202.
(9) الإمامة والسياسة 1 / 203 ـ 204.