قتل حُجر بن عديّ الكندي
ولعلّ من أهمّ وأقدم إجراءات زياد في الكوفة: قتله حجراً وعمرَو بن الحَمِق.
أمّا حُجر بن عديّ، فهو من أجلاّء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بل لقد وصفه بعضهم بقوله: «هو راهب أصحاب محمّد»(1).
ترجم له كبار المؤرّخين والرجاليّين:
قال ابن عبدالبرّ: «كان من فضلاء الصحابة، وصغر سنّه عن كبارهم، وكان على كندة يوم صِفّين، وكان على الميسرة يوم النهروان»(2).
وقال ابن الأثير: «كان من فضلاء الصحابة، وكان على كندة بصِفّين، وعلى الميسرة يوم النهروان، وشهد الجمل أيضاً مع عليّ، وكان من أعيان أصحابه»(3).
وقال ابن حجر: «شهد القادسية، وإنّه شهد بعد ذلك الجمل وصِفّين، وصحب عليّاً فكان من شيعته، وقُتل بمرج عذراء(4) بأمر معاوية»(5).
وقال ابن كثير: «وفد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم… وكان هذا الرجل من عبّاد الناس وزهّادهم، وكان بارّاً بأُمّه، وكان كثير الصلاة والصيام… ما أحدث قطّ إلاّ توضّأ، ولا توضّأ إلاّ صلّى ركعتين»(6).
وقال الذهبي: «كان شريفاً، أميراً مطاعاً، أمّاراً بالمعروف، مقدِماً على الإنكار، من شيعة عليّ رضي اللّه عنهما، شهد صِفّين أميراً، وكان ذا صلاح وتعبُّد»(7).
قال أحمد بن حنبل: «قلت ليحيى بن سليمان: أَبلَغك أنّ حُجراً كان مستجاب الدعوة؟ قال: نعم، وكان من أفاضل أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»(8).
وقال ابن سعد: «كان ثقة معروفاً، ولم يرو عن غير عليّ شيئاً»(9).
قال الحاكم: «قُتل في موالاة عليّ»(10).
وقد ذُكرت كيفيّة قتله في مختلف الكتب بالتفصيل(11).
وكان زياد قد ألقى القبض على أربعة عشر رجلا من أصحاب حُجر وأرسلهم معه إلى الشام، فَقَتَل معاوية منهم خمسة مع حُجر، وهم: شريك بن شدّاد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثمّ المنقري، وكدام بن حيان العنزي.
وبعث معاوية عبدالرحمن بن حسّان العنزي إلى زياد، فدفنه بالكوفة حيّاً.
وأمّا السبعة الآخرون وهم: عبداللّه بن حوية التميمي، وسعيد بن نمران الهمداني، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم ابن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، والأرقم بن عبداللّه الكندي، وعتبة بن الأخنس، فقد شفع فيهم بعض الشخصيات عند معاوية فأطلقهم(12).
وبما أنّ حُجراً كان من الصحابة الأجلاّء، فقد احتاجوا لإلقاء القبض عليه وقتله إلى إقامة الشهادة على إبائه من البراءة من أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، هذا الجرم الكبير الذي يُستحقُّ به القتل!! فكان من الشهود جمع كبير من الصحابة وأبناء الصحابة وسائر الشخصيات من الحزب الأُموي والخوارج، منهم:
عمرو بن حريث، خالد بن عرفطة، أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيس بن الوليد بن عبدشمس بن المغيرة، إسحاق بن طلحة بن عبيداللّه، موسى بن طلحة بن عبيداللّه، إسماعيل بن طلحة بن عبيداللّه، المنذر بن الزبير بن العوّام، عمر بن سعد بن أبي وقّاص، عمارة بن عقبة بن أبي معيط، شبث بن ربعي، القعقاع بن شور الذهلي، حجّار بن أبجر العجلي، عمرو بن الحجّاج الزبيدي، شمر بن ذي الجوشن، زحر بن قيس، كثير بن شهاب، عامر بن مسعود بن أُميّة بن خلف، محرز بن جارية بن ربيعة بن عبدالعزّى بن عبدشمس، عبيداللّه بن مسلم بن شعبة الحضرمي، عناق بن شرحبيل بن أبي دهم، وائل بن حجر الحضرمي، مصقلة بن هبيرة الشيباني، قطن بن عبداللّه بن حصين الحارثي، السائب بن الأقرع الثقفي، لبيد بن عطارد التميمي، محضر بن ثعلبة، عبدالرحمن بن قيس الأسدي، عزرة بن عزرة الأحمسي(13).
وكان وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي على رأس الجماعة الّذين أخذوا حُجراً وأصحابه إلى معاوية.
وإنّما ذكرنا أسماء الشهود لنقاط:
1 ـ ليُعلم أنّ الصحابي أو التابعي قد يشهد شهادة زور ويشترك في قتل النفس المحترمة!
2 ـ ولأنّ جماعةً كبيرةً من هؤلاء تجد أسماءهم في قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، وفي من حضر واقعة كربلاء لقتل سبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سيّد الشهداء.
3 ـ وهم من رجال الصحاح الستّة عند أهل السُنّة، الموثوقين المعتمدين، فاعرف قيمة كتبهم وعمّن يأخذون أحكامهم!!
هذا، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد أخبر عن هذه الواقعة كما في رواية ابن عساكر: «عن أبي الأسود، قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل حُجر وأصحابه؟ فقال: يا أُمّ المؤمنين! إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة، وإنّ بقاءَهم فسادٌ للأُمّة.
فقالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: سيُقتل بعذراء ناس يغضب اللّهُ لهم وأهلُ السماء»(14).
وأخبر بذلك أمير المؤمنين، فقد روى ابن عساكر: «عن ابن زرير الغافقي، عن عليّ بن أبي طالب، قال: يا أهل الكوفة! سيُقتل فيكم سبعة نفر من خياركم، مثلهم كمثل أصحاب الأُخدود»(15).
ومن العجب قوله لعائشة: «إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة…» حتّى إذا أوشك على الموت قال: «يومي منك يا حُجر طويل»(16)، وفي رواية أُخرى قال: «ما قتلت أحداً إلاّ وأنا أعرف فيمَ قتلتُه وما أردت به، ما خلا حُجر بن عديّ، فإنّي لا أعرف فيما قتلته؟!»(17).
وأيضاً، فقد روي أنّه لمّا قالت له عائشة: «يا معاوية، أما خشيت اللّه في قتل حُجر وأصحابه؟» قال: «لستُ أنا قتلتهم، إنّما قتلهم من شهد عليهم»(18).
وأوصى حُجر بأنْ يدفنوه بثيابه ودمائه قائلا: «لا تغسلوا عنّي دماً، ولا تطلقوا عنّي حديداً، وادفنوني في ثيابي، فإنّي ألتقي أنا ومعاوية على الجادّة غداً»(19).
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 531 كتاب معرفة الصحابة.
(2) الاستيعاب 1 / 329 رقم 487.
(3) أُسد الغابة 1 / 461 رقم 1093.
(4) مرج عذراء: من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها، وتبعد عنها خمسة عشر ميلا تقريباً، وبها قبر حجر بن عديّ وأصحابه في مسجدها، ولا تزال إلى يومنا هذا، وأخطأ من زعم أنّه دُفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في حيّ مسجد الأقصاب.
انظر: معجم ما استعجم 3 / 926 ـ 927، معجم البلدان 4 / 103 رقم 8251، مراصد الاطّلاع 2 / 925.
(5) الإصابة 2 / 37 رقم 1631.
(6) البداية والنهاية 8 / 41 حوادث سنة 51 هـ .
(7) سير أعلام النبلاء 3 / 463 رقم 95.
(8) الاستيعاب 1 / 331.
(9) الطبقات الكبرى 6 / 244 رقم 2212.
(10) المستدرك على الصحيحين 3 / 534 ح 5983.
(11) انظر مثلا: تاريخ الطبري 3 / 218 ـ 233، الأغاني 17 / 137 ـ 159، الكامل في التاريخ 3 / 326 ـ 338، البداية والنهاية 8 / 40 ـ 45.
(12) تاريخ دمشق 8 / 27.
(13) انظر: تاريخ الطبري 3 / 220 ـ 231، الكامل في التاريخ 3 / 326 ـ 338، البداية والنهاية 8 / 40 ـ 45.
(14) تاريخ دمشق 12 / 226، وانظر: بغية الطلب 5 / 2129، كنز العمّال 11 / 126 ح 30887، الجامع الصغير: 293 ح 4765.
(15) تاريخ دمشق 12 / 227.
(16) انظر: تاريخ الطبري 3 / 220، الكامل في التاريخ 3 / 338.
(17) تاريخ دمشق 12 / 231، بغية الطلب 5 / 2127.
(18) تاريخ الطبري 3 / 232، الاستيعاب 1 / 331.
(19) مصنّف ابن أبي شيبة 3 / 139 ب 29 ح 2، المستدرك على الصحيحين 3 / 533 ح 5979.