عبداللّه بن خالد بن أُسيد
قال ابن عساكر: «لمّا مات زياد سنة 53، استخلف ـ يعني على الكوفة ـ عبداللّه بن خالد بن أُسيد، فعزله معاوية وولاّها الضحّاك بن قيس…»(1).
وقال ابن الأثير: «استعمله زياد على بلاد فارس، واستخلفه زياد حين مات، وهو الذي صلّى على زياد، وأقرّه معاوية على الولاية بعد زياد. قاله الزبير»(2).
وقال اليعقوبي: «لمّا نزل به الموت ـ أي بزياد بن أبيه ـ كتب إلى معاوية: إنّي أكتب إلى أمير المؤمنين وأنا في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة، وقد استخلفت على عملي عبداللّه بن خالد بن أُسيد.
فلمّا توفّي زياد ووضع نعشه ليصلّى عليه تقدّم عبيداللّه ابنه فنحّاه، وتقدّم عبداللّه بن خالد فصلّى عليه، فلمّا فرغ من دفنه خرج عبيداللّه من ساعته إلى معاوية، فلمّا قيل لمعاوية: هذا عبيداللّه; قال: يا بني! ما منع أباك أنْ يستخلفك؟! أما لو فعل لفعلت; فقال: نشدتك اللّه يا أمير المؤمنين أن يقولها لي أحد بعدك ما منع أباه وعمّه أن يستعملاه؟! فولاّه خراسان، وصيّر إليه ثغرَي الهند»(3).
وهو عبداللّه بن خالد بن أُسيد بن أبي العيص بن أُميّة، اختلفوا في صحبته ورؤيته للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم(4).
وقد كان عبداللّه بن خالد صهر عثمان بن عفّان(5)، وكان عنده مقرّباً، حتّى إنّه لمّا فَعَلَ بأهل مكّة ما فعل في توسعة المسجد الحرام فأمر بحبسهم، كلّمه فيهم عبداللّه بن خالد(6).
وأعطاه عثمان مرّةً خمسين ألفاً، فاعترض عليه كبار الصحابة; فقد جاء في خبر أنّ عثمان قال مخاطباً لعليّ وطلحة والزبير ـ وكان معاوية حاضراً ـ : «أنا أُخبركم عنّي وعمّا وليت، إنّ صاحبَيَّ اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومَن كان منهما بسبيل احتساباً، وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعطي قرابته، وأنا في رهط أهل عيلة وقلّة معاش، فبسطت يدي في شيء من ذلك لِما أقوم به فيه، فإنْ رأيتم خطأً فردّوه، فأمري لأمركم تبع.
قالوا: أصبت وأحسنت، إنّك أعطيت عبداللّه بن خالد بن أُسيد خمسين ألفاً، وأعطيت مروان خمسة عشر ألفاً، فاستعدها منهما. فاستعادها، فخرجوا راضين»(7).
وكان عبداللّه عاملا لعثمان على مكّة، وبها مات(8).
وقد ذكروا عنه أنّه كان يرى الأمر لوُلد عثمان من بعده، ولذا لم يشارك في وقعة الجمل، بل فارق القوم ورجع…
* قال الطبري: «حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسن، قال: أخبرنا أبو عمرو، عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، قال: لقي سعيدُ بن العاص مروانَ بن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل؟! اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم.
قالوا: بل نسير، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.
فخلا سعيد بطلحة والزبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدِقاني!
قالا: لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.
قال: بل اجعلوه لوُلد عثمان، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.
قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!
قال: أفلا أراني أسعى لأُخرجها من بني عبدمناف.
فرجع ورجع عبداللّه بن خالد بن أُسيد، فقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع; فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان، فاختلفوا في الطريق، فقالوا: من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبداللّه، وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي ـ وكان يؤثره على ولده ـ ، فقال أحدهما: ائت الشأم; وقال الآخر: ائت العراق; وحاور كلّ واحد منهما صاحبه، ثمّ اتّفقا على البصرة»(9).
هذا، وكأنّ معاوية لم يجد فيه الرجل المناسب لتطبيق خططه ومآربه في الكوفة، من أجل القضاء على الشيعة وتقوية الحزب الأُموي تمهيداً لحكومة يزيد من بعده.
ويشهد بذلك إجراؤه الحدَّ على عمر بن سعد بن أبي وقّاص ـ وهو من أعيان الحزب المذكور ـ كما روى ابن حبيب البغدادي حيث قال: «وَحَدَّ عبدُ اللّه بن خالد بن أُسيد عمرَ بن سعد بن أبي وقّاص، فغضب، فوفد على معاوية فشكا إليه عبداللّه بن خالد وما ركبه به، وأخبره أنّه ظلمه، وسأله أن يقتصّ له منه، وأنْ يأخذ له منه حقّه.
فقال معاوية: يا ابن أخي! وجدته واللّه صلاته من بني عبدشمس.
فقال عمر: يا أمير المؤمنين! بك واللّه بدأ حين ضرب أخاك عنبسة بالطائف ثمّ لم تنتقم منه»(10).
فلهذه الأُمور وغيرها عزله عن الكوفة(11).
لكنّه ـ على كلّ حال ـ من بني أُميّة لا شبهة فيه(12)، فجعله والياً على مكّة، قال الفاكهاني: «ومن ولاة مكّة أيضاً: عبداللّه ابن خالد بن أُسيد في زمن معاوية»(13).
(1) تاريخ دمشق 24 / 289، وانظر: تاريخ خليفة بن خيّاط: 165.
(2) أُسد الغابة 3 / 117 رقم 2910، وانظر: نسب قريش: 188، الإصابة 4 / 72 رقم 4645.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 147 ـ 148.
(4) أُسد الغابة 3 / 117 رقم 2910، الإصابة 4 / 71 رقم 4645، وغيرهما.
(5) كتاب المحبّر: 55، أنساب الأشراف 6 / 232، تاريخ اليعقوبي 2 / 64.
(6) الإصابة 4 / 72.
(7) شرح نهج البلاغة 2 / 138.
(8) أخبار مكّة ـ للفاكهاني ـ 3 / 164.
(9) تاريخ الطبري 3 / 9 حوادث سنة 36 هـ ، وانظر: الكامل في التاريخ 3 / 102 ـ 103 حوادث سنة 36 هـ ، تاريخ ابن خلدون 2 ق 5 / 580 ـ 581، إمتاع الأسماع 13 / 232.
(10) المنمّق: 398.
(11) انظر: البداية والنهاية 8 / 58.
(12) نسب قريش: 187، جمهرة أنساب العرب ـ لابن حزم ـ : 113، أُسد الغابة 3 / 117 رقم 2910، الإصابة 4 / 71 رقم 4645.
(13) أخبار مكّة 3 / 176 ـ 177، وانظر: الزهور المقتطفة ـ للفاسي ـ : 211 ب 37.