عبدالرحمن بن أُمّ الحكم
ثمّ إنّ معاوية عزل الضحّاك بن قيس سنة 57، وولّى مكانه عبدالرحمن بن أُمّ الحكم، واستدعى الضحّاك إلى الشام فكان معه إلى أن مات معاوية وصلّى عليه كما تقدّم، وهذه خلاصة ترجمة عبدالرحمن المذكور، كما في تاريخ دمشق وغيره(1):
هو: عبدالرحمن بن عبداللّه بن عثمان الثقفي، وأُمّه أُمّ الحكم بنت أبي سفيان، أُخت معاوية. روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مرسلا، وقيل: إنّ له صحبة، وصلّى خلف عثمان بن عفّان.
كان جدّه عثمان يحمل لواء المشركين يوم حنين، فقتله أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام.
ولاّه معاوية على الكوفة، ثمّ عزله عنها فولاّه مصر ثمّ الجزيرة، فكان عليها حتّى مات معاوية.
* ومن أخباره ما رواه ابن عساكر:
«كان عبدالرحمن بن أُمّ الحكم ينازع يزيد بن معاوية كثيراً، فقال معاوية لأبي خداش بن عتبة بن أبي لهب: إنّ عبدالرحمن لا يزال يتعرّض ليزيد، فتعرّض له أنت حتّى تُسمع يزيد ما يجري بينكما ولك عشرة آلاف درهم.
قال: عجّلها لي! فعجّلها له، فحُملت إليه، ثمّ التقوا عند معاوية، فقال أبو خداش: يا أمير المؤمنين! أعدني على عبدالرحمن، فإنّه قتل مولىً لي بالكوفة.
فقال عبدالرحمن: يا ابن بنت! ألا تسكت؟!
فقال أبو خداش لعبد الرحمن: يا ابن تمدّر، يا ابن البريح، يا ابن أُمّ قدح!
فقال معاوية: يا أبا خداش! حسبك، يرحمك اللّه على دية مولاك.
فخرج أبو خداش ثمّ عاد إلى معاوية، فقال: أعطني عشرة آلاف أُخرى، وإلاّ أخبرت عبدالرحمن أنّك أنت أمرتني بذلك; فأعطاه عشرة آلاف، وقال: فسِّر ليزيد ما قلتَ لعبد الرحمن.
قال: هنّ أُمّهات لعبد الرحمن حبشيات، وقد ذكرهنّ ابن الكاهلية الثقفي، وهو يهجو ابن عمّ لعبد الرحمن:
ثلاث قد ولدنك من حُبُوش *** إذا يسمو خدينك بالزمامِ
تمدّر والبريح وأُمّ قدح *** ومجلوبٌ يعدّ من آلِ حامِ»
* قال ابن عساكر:
«قَتل عبدُ الرحمن بن أُمّ الحكم ابنَ صلوبا، فجاء الشيخ صلوبا فدخل المسجد آخذاً بلحية بيضاء، قال: فقال: يا معشر المسلمين! على ما قُتل ابني؟! على هذا صالحتُ عمر بن الخطّاب; قال: فقال الناس: ذمّتكم ذمّتكم! فاجتمع الناس، وجاء جرير، قال: فجاء عبدَ الرحمن ناسٌ فقالوا له: إنّا نخاف عليك، فأغلق باب المقصورة.
أخْبَرَنا أبو القاسم بن الحُصَين، أنا الحسن بن عيسى بن المقتدر، أنا أبو العبّاس أحمد بن منصور اليشكري، أنا أبو عبداللّه الصولي، نا الحارث ابن أبي أُسامة، نا علي بن محمّد ابن سيف، قال: لمّا اشتدّ بلاء عبدالرحمن بن أُمّ الحكم على أهل الكوفة، قال عبداللّه بن همّام السَّلُولي شعراً، وكتبه في رقاع، وطرحها في مسجد الجامع:
أَلاَ أبلغْ معاويةَ بن صخر *** فقد خرب السوادُ ولا سوادا
أرى العمّال أفتتنا علينا *** بعاجلِ نفعهم ظلموا العبادا
فهل لك أن تُدَارَك ما لدينا *** وتدفعَ عن رعيّتك الفسادا
وتعزل تابعاً أبداً هواه *** يخرّبُ مِن بَلادته البِلادا
إذا ما قلتُ: أقصر عن مداه *** تمادى في ضلالته وزَادا
فبلغ الشعر معاوية فعزله»(2).
وذكر ابن عساكر وابن الأثير بترجمته، وكذا المؤرّخون ـ كالطبري وابن الجوزي وابن الأثير ـ في حوادث السنة 58، أنّ عبدالرحمن أساء السيرة في أهل الكوفة فطردوه، قالوا: «استعمل معاوية ابن أُمّ الحكم على الكوفة، فأساء السيرة فيهم، فطردوه، فلحق بمعاوية وهو خاله، فقال له: أُولّيك خيراً منها مصر; فولاّه، فتوجّه إليها وبلغ معاوية بن حُدَيج السَّكُوني الخبر، فخرج فاستقبله على مرحلتين من مصر، فقال: ارجع إلى خالك، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة.
قال: فرجع معاوية، وأقبل معاوية بن حُدَيج وافداً، وكان إذا جاء قُلِّسَتْ(3) له الطريق ـ يعني ضُربت له قباب الريحان ـ ، قال: فدخل على معاوية وعنده أُمّ الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟
قال: بَخ، هذا معاوية بن حُدَيج.
قالت: لا مرحباً به، تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه(4).
فقال: على رِسْلك يا أُمّ الحكم، أمَا واللّه لقد تزوّجتِ فما أكرمتِ، وولدتِ فما أنجبتِ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا، فيسيرُ فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة، ما كان اللّه ليرى ذلك، ولو فعل لضربناه ضرباً يصامي منه، وإن كان ذاك الجالس.
فالتفت إليها معاوية فقال: كُفّي»(5).
(1) انظر: تاريخ دمشق 35 / 53 ـ 54 رقم 3856، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 55 رقم 1699، تاريخ الطبري 3 / 252، الكامل في التاريخ 3 / 358، أُسد الغابة 3 / 333 رقم 3284 و ص 365 رقم 3339، البداية والنهاية 8 / 66.
(2) تاريخ دمشق 35 / 51 ـ 52.
(3) التقليس: استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو، كالضرب بالدفّ والغناء; انظر: لسان العرب 11 / 278 مادّة «قلس».
وضرب قباب الريحان ضرب من ضروب الاستقبال.
(4) مثلٌ يُضرب لمن خبره خير من مرآه، أوّل من قاله المنذر ابن ماء السماء، وقيل: النعمان بن المنذر.
انظر: جمهرة الأمثال ـ للعسكري ـ 1 / 226، مجمع الأمثال ـ للميداني ـ 1 / 227 رقم 655.
(5) تاريخ دمشق 35 / 52 ـ 53، تاريخ الطبري 3 / 252 ـ 253، المنتظم 4 / 110 ـ 111، الكامل في التاريخ 3 / 358 ـ 359، البداية والنهاية 8 / 66 ـ 67.