سعي الحكومة كان وراء خروج الإمام من المدينة
وبينما كانت الرسل والكتب تدعوه إلى الخروج إلى العراق، فقد كانت الحكومة تسعى وراء خروجه من المدينة إلى مكّة المكرّمة.
قال البلاذري: «وكان رجال من أهل العراق وأشراف أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين، يجلّونه ويعظّمونه ويذكرون فضله ويدعونه إلى أنفسهم ويقولون: إنّا لك عضد ويد; ليتّخذوا الوسيلة إليه، وهم لا يشكّون في أنّ معاوية إذا مات لم يعدل الناس بحسين أحداً.
فلمّا كثر اختلاف الناس إليه، أتى عمرُو بن عثمان بن عفّان مروانَ بن الحكم ـ وهو إذ ذاك عامل معاوية على المدينة ـ فقال له: قد كثر اختلاف الناس إلى حسين، وواللّه إنّي لأرى أنّ لكم منه يوماً عصيباً.
فكتب مروان ذلك إلى معاوية، فكتب إليه معاوية: بأن اترك حسيناً ما تركك ولم يُظهر عداوته ويُبدِ صفحته، واكمن عنه كمون الشرى، إن شاء اللّه، والسلام»(1).
ثمّ اقترح مروان على معاوية أن يُبعد الإمام من المدينة إلى الشام، فقد ذكروا أنّه: «دعا معاوية مروانَ بن الحكم فقال له: أشِر علَيَّ في الحسين.
قال: تخرجه معك إلى الشام، فتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه.
قال: أردتَ ـ واللّه ـ أنْ تستريح منه وتبتليني به، فإنْ صبرتُ عليه صبرتُ على ما أكره، وإنْ أسأتُ إليه كنتُ قد قطعتُ رحمه. فأقامه.
وبعث إلى سعيد بن العاص فقال له: يا أبا عثمان! أشِر علَيَّ في الحسين.
قال: إنّك ـ واللّه ـ ما تخاف الحسين إلاّ على مَن بعدك، وإنّك لتخلّف له قرناً إنْ صارعه ليصرعنّه، وإن سابقه ليسبقنّه، فذر الحسين منبتَ النخلة، يشرب من الماء، ويصعد في الهواء، ولا يبلغ إلى السماء»(2).
نعم، كانت الخطّة أنْ يُترك الإمام عليه السلام ولا يؤذى; لأنّ أهل العراق غير تاركيه حتّى يخرجوه، ما لم يُثر ويظهر العداوة للحكومة، والإمام عليه السلام يعلن للناس إباءه عن البيعة، يصرّح بذلك لكلّ من يسأله، كقوله لأخيه محمّد بن الحنفية: «يا أخي! واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لَما بايعت يزيد بن معاوية أبداً»(3).
وقوله عليه السلام لمروان بن الحكم لمّا قال له: «إنّي آمرك ببيعة يزيد، فإنّه خير لك في دينك ودنياك»، قال: «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذْ قد بُليت الأُمّة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان»(4).
وفي هذه الظروف، نرى أنّ الكتب من الكوفة تترى، يدعونه ويطلبون منه القدوم إليهم، والإمام يقول: «لا أراهم إلاّ قاتليّ»(5).
وبدأ الحكّام يسعون وراء خروج الإمام من الحجاز…
(1) أنساب الأشراف 3 / 366 ـ 367.
(2) العقد الفريد 4 / 82، وانظر: مناقب آل أبي طالب 4 / 89.
(3) الفتوح ـ لابن أعثم ـ 5 / 23.
(4) الملهوف على قتلى الطفوف: 99.
(5) تاريخ دمشق 14 / 216، سير أعلام النبلاء 3 / 306، البداية والنهاية 8 / 135 حوادث سنة 60 هـ .