خطبة الإمام السجّاد عليه السلام
وروى ابن أعثم الكوفي وغيره، أنّ يزيد أمر الخطيب أنْ يرقى المنبر ويثني على معاوية ويزيد وينال من أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام.
فصعد الخطيب المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد.
فصاح به عليُّ بن الحسين: ويلك أيّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فانظر مقعدك من النار.
ثمّ قال عليُّ بن الحسين: يا يزيد! ائذن لي أنْ أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلام فيه رضا اللّه ورضا هؤلاء الجلساء وأجر وثواب.
قال: فأبى يزيد ذلك; فقال الناس: يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد المنبر، لعلّنا نسمع منه شيئاً.
فقال: إنّه إنْ صعد المنبر لم ينزل إلاّ بفضيحتي أو بفضيحة آل أبي سفيان.
قيل له: يا أمير المؤمنين، وما قدر ما يحسن هذا؟!
قال: إنّه من نسل قوم قد رُزقوا العلم رزقاً حسناً.
قال: فلم يزالوا به حتّى صعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبةً أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب… حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب.
قال: وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذّن فقال: اقطع عنّا هذا الكلام.
قال: فلمّا سمع المؤذّن قال: اللّه أكبر; قال الغلام: لا شيء أكبر من اللّه.
فلمّا قال: أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه; قال الغلام: يشهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي.
فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه، التفت عليُّ ابن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمّدٌ هذا جدّي أم جدّك؟! فإنْ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟!
قال: فلمّا فرغ المؤذّن من الأذان والإقامة تقدّم يزيد يصلّي بالناس صلاة الظهر، فلمّا فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان اللّه عليهم، ففرّغ لهم داراً فنزلوها، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين رضي اللّه عنه»(1).
(1) الفتوح 5 / 154 ـ 155، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 2 / 76 ـ 78.