المقدّمة الرابعة: في أنّ معاوية نقض العهد و قاتل من أجل الدنيا
لكنّ معاوية نقض العهد، ورفض الالتزام بما كتب ووقّع عليه، حتّى إنّه خاطب أهل الكوفة معترفاً بذلك حين قال:
«يا أهل الكوفة! أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ، وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون؟! ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني اللّه ذلك وأنتم كارهون.
ألا إنّ كلّ مال أو دم أُصِيب في هذه الفتنة فمطلول، وكلّ شرط شرطته فتحت قدمَيّ هاتين».
وهذا من الأخبار الثابتة المروية في المصادر المعتبرة كافّة(1).
ومن هذا وغيره يظهر أنّه إنّما خرج على أمير المؤمنين عليه السلام من أجل الرئاسة، وأنّ الطلب بدم عثمان وغير ذلك كذب واضح.
وممّا يشهد بذلك أيضاً كلامه مع ابنة عثمان:
قالوا: «فتوجّه إلى دار عثمان بن عفّان، فلمّا دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلى منازلكم فإنّ لي حاجة في هذه الدار; فانصرفوا ودخل، فسكَّن عائشة ابنة عثمان وأمرها بالكفّ وقال لها: يا بنت أخي! إنّ الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منّا شحّوا علينا بحقّنا وغمطناهم بحقّهم، ومع كلّ إنسان منهم شيعته وهو يرى مكان شيعته، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثمّ لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا؟ ولأن تكوني ابنة عمّ أمير المؤمنين أحبّ إليّ أن تكوني أمَة من إماء المسلمين، ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك(2).
***
(1) شرح نهج البلاغة 16 / 14 ـ 15، وانظر: مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 251 ح 23، سير أعلام النبلاء 3 / 146، تاريخ دمشق 59 / 150، الإرشاد 2 / 14، البداية والنهاية 8 / 105 حوادث سنة 60، مقاتل الطالبيّين: 77.
(2) تاريخ دمشق 59 / 154 ـ 155، العقد الفريد 3 / 354، البداية والنهاية 8 / 106 ـ 107 حوادث سنة 60.