1 ـ الصحابة عدالة
لكن دعوى الإجماع باطلة.. والمشهور لا أصل له..
أما دعوى الإجماع، فيكذّبها نسبة هذا القول إلى الأكثر في كلام جماعة من الأئمة.. قال ابن الحاجب: الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل: كغيرهم، وقيل: إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون، لأنّ الفاسق غير معيّن، وقالت المعتزلة: عدول إلاَّ من قاتل علياً…(1).
وقال الغزّالي: الذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف: أنّ عدالتهم معلومة بتعديل اللّه عزّ وجلّ إيّاهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أنْ يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى التعديل.. وقد زعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم: حالهم العدالة في بداية الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات، ثم تغيّر الحال وسفكت الدماء فلابدّ من البحث، وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فساق بقتال الإمام الحق…(2).
بل صرّح جماعة من أكابر القوم من المتقدّمين والمتأخرين كالسّعد التفتازاني(3)، والمازري ـ شارح البرهان ـ(4)، وابن العماد الحنبلي(5)، والشوكاني(6)، وأبي رية(7)، ومحمد عبدة(8)، ومحمد رشيد رضا(9)، والمقبلي(10)، والرافعي(11)، وطه حسين، وأحمد أمين… وغيرهم: بأنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول، وهذا هو رأي الشيعة الاثني عشرية(12).
وأما أنه مشهور لا أصل له.. فلأنّ هذا القول يناقض القرآن الكريم.. الذي تنصّ آيات كثيرة منه على أنّ كثيراً من الأصحاب حول النبي في حياته صلّى اللّه عليه وآله منافقون فسقة(13)، حتى جاءت سورة منه بعنوان «المنافقين».
ونصّت الآية الكريمة:… (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ…)(14) على ارتداد كثيرين منهم من بعده… وجاءت الأحاديث الصحيحة شارحة هذه الآية المباركة، ومن أشهرها وأصحّها حديث الحوض الوارد في الصحيحين وغيرهما بألفاظ وطرق مختلفة(15). بل عدّه بعضهم في الأحاديث المتواترة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، فقد ذكر في كتابه (الأحاديث المتواترة): «الحديث السبعون حديث الحوض. رواه من الصحابة خمسون نفساً» فذكر أسماءهم.
فالقول المذكور يناقض الكتاب والسنة.. ويناقض السير والتواريخ وأحوال الصحابة.. وبالجملة.. فهو مشهور.. لكن لا أصل له..
نعم.. يستدلون له بأدلّة.. عمدتها ما رووا بأسانيدهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» لكنّه حديث يعارض الكتاب والسنة والتاريخ الصحيح.. فلا اعتبار به.. مضافاً إلى أنّ جمعاً كبيراً من أعيان القوم ينصّون على أنه حديث باطل موضوع، ومنهم:
أحمد بن حنبل(16). أبو إبراهيم المزني(17). أبو بكر البزار(18). ابن القطان(19). الحافظ الدارقطني(20). الحافظ ابن حزم(21). الحافظ البيهقي(22). الحافظ ابن عبدالبر(23). الحافظ ابن عساكر(24). الحافظ ابن الجوزي(25). ابن دحية(26). الحافظ أبو حيان الأندلسي(27). الحافظ الذهبي(28). الحافظ ابن القيم(29). الحافظ ابن حجر العسقلاني(30). الحافظ السخاوي(31). الحافظ السيوطي(32). الحافظ الشوكاني(33).
(1) المختصر في الأصول 2 / 67.
(2) المستصفى 1 / 164.
(3) إحقاق الحق ـ للتستري ـ 2 / 391 ـ 392 عن شرح المقاصد.
(4) الإصابة 1 / 19، النصائح الكافية: 161.
(5) النصائح الكافية: 162 عن الآلوسي.
(6) إرشاد الفحول: 158.
(7) شيخ المضيرة أبو هريرة: 101.
(8) أضواء على السنة المحمدية: 322.
(9) شيخ المضيرة أبو هريرة: 101.
(10) المصدر نفسه.
(11) إعجاز القرآن: 141.
(12) أنظر كتاب: (أصحابي كالنجوم) لآية اللّه الميلاني.
(13) أنظر الآيات في سورة آل عمران، سورة التوبة… .
(14) آل عمران: 3 : 144.
(15) صحيح البخاري، باب في الحوض 4 / 87 ـ 88 .
(16) نقل ذلك عنه في: التقرير والتحبير ـ لابن أمير الحاج ـ ، المنتخب ـ لابن قدامة ـ التيسير في شرح التحرير 3 / 243، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 / 79.
(17) جامع بيان العلم ـ لابن عبدالبر ـ 2 / 89 ـ 90.
(18) جامع بين العلم 2 / 90، أعلام الموقعين 2 / 223، البحر المحيط 5 / 528 .
(19) الكامل / ترجمة جعفر بن عبدالواحد الهاشمي القاضي وحمزة النصيبي.
(20) غرائب مالك، تخريج أحاديث الكشاف 2 / 628.
(21) البحر المحيط 5 / 528، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 / 78.
(22) المدخل، وعنه في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ـ المطبوع على هامش الكشاف ـ 2 / 628.
(23) جامع بيان العلم 2 / 90 ـ 91.
(24) التاريخ، وعنه في فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 76.
(25) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، وانظر: فيض القدير 4 / 76.
(26) تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي.
(27) البحر المحيط 5 / 527 ـ 528 .
(28) ميزان الاعتدال 1 / 413 و 2 / 102.
(29) أعلام الموقعين 2 / 223.
(30) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف.
(31) المقاصد الحسنة 26 / 27.
(32) الجامع الصغير ـ بشرح المناوي ـ 4 / 76.
(33) إرشاد الفحول: 83 .