مقدمة فيها مطلبان
وقبل الشروع في ذكر نماذج من الأحاديث المحكوم عليها بالوضع أو الضعف أو الخطأ.. المخرّجة في الصحيحين.. نذّكر بمطلبين:
1 ـ إنا عندما نلاحظ كتب الحديث وعلومه عند القوم، ونستعرض أحوال محدّثيهم ورواتهم، نجد أنهم يهتمّون برواية الحديث ونقله بسنده ومتنه، ولا يعتنون بالنظر في معناه ومدلوله، وأنّ الأوصاف والألقاب والمناصب والمراتب تعطى لمن كان أوسع جمعاً وأكثر رواية، لا لمن كان أدق نظراً وأوفر دراية… ومن هنا كثرت منهم الأغلاط الفاحشة، حتى في الآيات القرآنية والأحكام الشرعية.
1 ـ آفات أهل الحديث
قال ابن الجوزي: إنّ اشتغالهم بشواذ الحديث شغلهم عن القرآن… إن عبداللّه بن عمر بن أبان مشكدانة قرأ عليهم في التفسير: (ويعوق وبشراً) فقيل له: (ونسراً) فقال: هي منقوطة من فوق، فقيل له: النقط غلط. قال: فارجع إلى الأصل.
قال الدارقطني: سمعت أحمد بن عبيداللّه المنادي يقول: كنا في دهليز عثمان بن أبي شيبة فخرج إلينا فقال: (ن وَالْقَلَمِ) في أىِّ سورة هو؟
قال: وأما بيان إعراضهم عن الفقه شغلاً بشواذ الأحاديث، فقد رويت عنهم عجائب… وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ورواه فلان، وما حدّث به غير فلان، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتى ـ وكانت غاسلة ـ ؟ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليك بالمقبل، فالتفتت إليه فسألته فقال: نعم تغسل الميت بحديث عائشة: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال لها: حيضتك ليست في يدك، ولقولها: كنت أفرق رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالماء وأنا حائض، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به، فقالوا: نعم، رواه فلان وحدثنا فلان، وخاضوا في الطرق، فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟!(1).
وبالجملة… فهذا حال أهل الحديث… إلاَّ القليل منهم… الذين نظروا في الأحاديث وبحثوا عن أحوالها على أساس النظر في المفاد والمدلول، فجاء عنهم الطعن والقدح في أحاديث كثيرة حتى من الصحيحين… لأنّ الحديث إذا عارض الكتاب أو خالف الضرورة من الدين أو العقل أو التاريخ يُكذَّب وإنْ صحّ سنده… .
2 ـ اختلاف أسباب الجرح والتعديل
إنه قد اختلف القوم في أسباب الجرح والتعديل اختلافاً فاحشاً، فربّ راو هو موثوق به عند البخاري ومجروح عند مسلم كعكرمة مولى بن عباس أو موثوق عندهما ومجروح عند غيرهما… كما ذكرنا..
ويتلّخص: أنّ في أحاديث الصحيحين ما هو مطعون فيه من جهة السند، وما هو مطعون فيه من جهة دلالته على معنى تخالفه الضرورة من النقل أو العقل، وما هو مطعون فيه من الجهتين.. وإليك نماذج من هذه الأنواع:
(1) آفة أصحاب الحديث ـ بتحقيق وتقديم وتعليق علي الحسيني الميلاني ـ : 44.