معلومات عن الصحيحين
وقبل الورود في ذلك، نذكر معلومات نقلاً عن شرّاح الكتابين والعلماء المحقّقين في الحديث:
1 ـ قد انتقد حفاظ الحديث البخاري في «110» أحاديث، منها «32» حديثاً وافقه مسلم فيها، و «78» انفرد هو بها(1).
2 ـ الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم (أربعمائة وبضعة وثلاثون) رجلاً. المتكلم فيه بالضعف منهم «80» رجلاً. والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري «620» رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم «160» رجلاً(2).
3 ـ الأحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت «210» حديثاً، اختص البخاري منها بأقل من «80» حديثاً، والباقي يختص بمسلم(3).
4 ـ إنه قد اختلف عدد أحاديث البخاري في روايات أصحابه لكتابه، وقال ابن حجر: عدّة ما في البخاري من المتون الموصولة بلا تكرار «2602»، ومن المتون المعلقة المرفوعة «159»، فالمجموع «2761»، وقال في شرح البخاري: إنّ عدته على التحرير «2513» حديث(4).
5 ـ إنّ البخاري مات قبل أن يبيّض كتابه، ولذا اختلفت نسخه ورواياته(5).
6 ـ إن البخاري لم يكن يكتب الحديث في مجلس سماعه، بل بلده، فعن البخاري أنه قال: ربّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، وربّ حديث سمعته بالشام كتبته بمصر، فقيل له: يا أبا عبداللّه بكماله؟! فسكت(6).
أمّا مسلم، فقد صنّف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرّز في الألفاظ ويتحرى في السياق…(7).
وبعد، فإن دعوى تلّقي الأمة أحاديث الصحيحين بالقبول وقيام الإجماع على صحتها.. لا أساس لها من الصحة.. لما تقدم.. ويأتي:
النووي
1 ـ النووي: ليس كلّ حديث صحيح يجوز العمل به فضلاً عن أن يكون العمل به واجباً(8) (قال): وما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاوز القنطرة، هذا من التجوّه ولا يقوى(9).
ابن الهمام
2 ـ كمال الدين ابن الهمام: وقول من قال: أصح الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرطهما، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما، تحكّم لا يجوز التقليد فيه، إذ الأصحيّة ليست إلاَّ لإشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها، فإن فرض وجود تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين أفلا يكون الحكم بأصحية ما في الكتابين عين التحكم؟!(10).
أبو الوفاء القرشي(11)
3 ـ أبو الوفاء القرشي: فائدة: حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مسلم وغيره ـ يشتمل على أنواع منها التورّك في الجلسة الثانية ـ ضعفه الطحاوي… ولا يحنق علينا لمجيئه في مسلم وقد وقع في مسلم أشياء لا تقوى عند الاصطلاح، فقد وضع الحافظ الرشيد العطار على الأحاديث المقطوعة المخرّجة في مسلم كتاباً سماه بـ(غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة) وبيّنها الشيخ محيي الدين في أول شرح مسلم.
وما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التحنق ولا يقوى، فقد روى مسلم في كتابه عن ليث بن أبي مسلم وغيره من الضعفاء، فيقولون: إنما روى في كتابه للاعتبار والشواهد والمتابعات والاعتبارات وهذا لا يقوى، لأنّ الحفاظ قالوا: الاعتبار والشواهد والمتابعات والاعتبارات، أمور يتعرفون بها حال الحديث، وكتاب مسلم التزم فيه الصحة، فكيف يتعرف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة.
واعلم أنّ (عن) مقتضية للإنقطاع عند أهل الحديث، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شيء كثير، فيقولون على سبيل التحنّق: ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع، وما كان في الصحيحين فمحمول على الاتصال.
وقد روى مسلم في كتابه أيضاً عن جابر وابن عمر في حجّة الوداع: إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله توجّه إلى مكة يوم النحر، وطاف طواف الإفاضة، ثم رجع فصلّى الظهر بمنى، فينحنقون ويقولون: أعادها لبيان الجواز، وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين(12): إحداهما كذب بلا شك.
وروى مسلم أيضاً حديث الإسراء وفيه: (وذلك قبل أن يوحى إليه) وقد تكلّم الحفاظ في هذه اللّفظة وبيّنوا ضعفها.
وروى مسلم أيضاً: (خلق اللّه التربة يوم السبت)، واتفق الناس على أن يوم السبت لم يقع فيه خلق.
فيجيبون على سبيل التحنق بأجوبة غير طائلة. وما حلمهم على هذا كلّه إلاَّ بعض التعصب، وقد قال الحافظ: إن مسلماً لما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي فأنكر عليه وقال: سميته الصحيح فجعلت سلّماً لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثاً يقولون: هذا ليس في صحيح مسلم، فرحم اللّه تعالى أبا زرعة فقد نطق بالصواب، فقد وقع هذا.
وما ذكرت ذلك كلّه إلاّ أنه وقع بيني وبين بعض المخالفين بحث في مسألة التوّرك، فذكر لي حديث أبي حميد المذكور أوّلاً، فأجبته بتضعيف الطحاوي، فما تلّفظ وقال: مسلم يصحح والطحاوي يضعف، واللّه تعالى يغفر لنا وله آمين(13).
الأدفوي
4 ـ أبو الفضل الأدفوي(14): ثم أقول: إنّ الأمة تلّقت كلّ حديث صحيح وحسن بالقبول، وعملت به عند عدم المعارض، وحينئذ لا يختص بالصحيحين، وقد تلّقت الأمة الكتب الخمسة أو الستة بالقبول وأطلق عليها جماعة اسم (الصحيح)، ورجح بعضهم بعضها على كتاب مسلم وغيره.
قال أبو سليمان أحمد الخطابي: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنّف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق من الناس القبول كافة، فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وكتاب السنن أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من كتب البخاري ومسلم.
وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت الإمام أبا الفضل عبداللّه بن محمد الأنصاري بهراة يقول ـ وقد جرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال ـ : كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم.
وقال الإمام أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني: إنّ لأبي عبدالرحمن النسائي شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
وقال أبو زرعة الرازي لمّا عرض عليه ابن ماجة السنن كتابه: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلّت هذه الجوامع كلّها، أو قال: أكثرها.
وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث (محمد بن بشار بندار) وأكثرا من الاحتجاج بحديثه، وتكلّم فيه غير واحد من الحفاظ، أئمة الجرح والتعديل، ونسب إلى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أنّ بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلّم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود: هذا كذب، وكان يحيى لا يعبأ به ويستضعفه، وكان القواريري لا يرضاه.
وأكثرا من حديث (عبدالرزاق) والاحتجاج به، وتكلّم فيه ونسب إلى الكذب.
وأخرج مسلم عن (أسباط بن نصر)، وتكلّم فيه أبو زرعة وغيره.
وأخرج أيضاً عن (سماك بن حرب) وأكثر عنه، وتكلّم فيه غير واحد، وقال الإمام أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، وضعفه أمير المؤمنين في الحديث شعبة، وسفيان الثوري، وقال يعقوب بن شعبة: لم يكن من المتثبتين، وقال النسائي: في حديثه ضعف.
وكان أبو زرعة يذمُّ وضع كتاب مسلم ويقول: كيف تسمّيه الصحيح وفيه فلان وفلان… وذكر جماعة.
القاري
5 ـ الشيخ علي القاري حول صحيح مسلم: وقد وقع منه أشياء لا تقوى عند المعارضة، وقد وضع الرشيد العطّار كتاباً على الأحاديث المقطوعة فيه، وبيّنها الشيخ محيي الدين في أول شرح مسلم. وما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التجاهل والتساهل… فقد روى مسلم في كتابه عن الليث… إلى آخر ما ذكره من الأمثلة لما قاله، بعبارات تشبه عبارات الأدفوي…(15).
عبدالعلي الأنصاري
6 ـ الشيخ عبدالعلي الأنصاري الهندي ـ شارح مسلم الثبوت ـ ، وهذا كلامه مازجاً بالمتن: (فرع: ابن الصلاح وطائفة) من الملقّبين بأهل الحديث (زعموا أن رواية الشيخين) محمد بن إسماعيل (البخاري ومسلم) ابن الحجاج صاحبي الصحيحين (تفيد العلم النظري، للإجماع على أن للصحيحين مزية) على غيرهما، وتلقّت الأمة بقبولهما، والإجماع قطعي.
وهذا بهت، فإن من رجع إلى وجدانه يعلم بالضرورة أن مجرّد روايتهما لا يوجب اليقين البتة، وقد روي فيهما أخبار متناقضة، فلو أفادت روايتهما علما لزم تحقق النقيضين في الواقع (وهذا) أي ما ذهب إليه ابن الصلاح وأتباعه (بخلاف ما قاله الجمهور) من الفقهاء والمحدِّثين، لأن انعقاد الإجماع على المزية على غيرهما من مرويات ثقات آخرين ممنوع، والإجماع على مزيتهما في أنفسهما لا يفيد، و(لأنّ جلالة شأنهما وتلقي الأمة لكتابيهما والإجماع على المزية لو سلّم لا يستلزم ذلك) القطع والعلم، فإن القدر المسلم المتلقّى بين الأمة ليس إلاَّ أن رجال مروياتهما جامعة للشروط التي اشترطها الجمهور لقبول روايتهم، وهذا لا يفيد إلاَّ الظن، وأمّا أن مروياتهما ثابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلا إجماع عليه أصلاً. كيف ولا إجماع على صحة جميع ما في كتابيهما، لأنّ رواتهما منهم قدريون وغيرهم من أهل البدع، وقبول رواية أهل البدع مختلف فيه، فأين الإجماع على صحة مرويات القدرية؟!(16).
المقبلي
7 ـ المقبلي(17) في كتابه العلم الشامخ: في رجال الصحيحين من صرّح كثير من الأئمة بجرحهم، وتكلم فيهم من تكلّم بالكلام الشديد، وإن كان لا يلزمهما إلاَّ العمل باجتهادهما(18).
محمد رشيد رضا
8 ـ السيّد محمد رشيد رضا، بعد أن عرض للأحاديث المنتقدة على البخاري قال:
ممّا لا شك فيه أيضاً أنّه يوجد في غيرهما من دواوين السنة أحاديث أصحّ من بعض ما فيهما… ولا يخلو البخاري من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدوّه من علامة الوضع، كحديث سحر بعضهم للنبي صلّى اللّه عليه وآله الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصاص من المفسرين المتقدّمين، والأستاذ الإمام محمد عبده من المتأخرين، لأنه معارض بقوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)(19) هذا، وإن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه، فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنه ليس من أصول الدين، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحة الإسلام ولا في معرفته التفصيلية الاطلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه(20).
أبو رية
9 ـ الشيخ محمود أبو رية… فإنه انتقد الصحيحين انتقاداً علمياً واستشهد في بحثه بكلمات العلماء من المتقدمين والمتأخرين…(21).
أحمد أمين
10 ـ الدكتور أحمد أمين ـ حول البخاري ـ : إنّ بعض الرجال الذين روى لهم غير ثقات، وقد ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل…(22).
أحمد محمد شاكر
11 ـ الشيخ أحمد محمد شاكر: قد وقع في الصحيحين أحاديث كثيرة من رواية بعض المدلّسين(23).
(1) مقدمة فتح الباري: 9.
(2) مقدمة فتح الباري: 9، وفي هذا الشأن لا بأس بمراجعة كتاب (الافصاح عن أحوال رواة الصحاح) للعلامة الفقيه محمد حسن المظفر المتوفي 1375 هـ .
(3) مقدمة فتح الباري: 9.
(4) أضواء على السنة المحمدية: 307.
(5) أنظر: مقدمة فتح الباري: 6، أضواء على السنة المحمدية: 301.
(6) تاريخ بغداد 2 / 11.
(7) مقدمة فتح الباري: 10.
(8) التقريب في علم الحديث، عنه في منتهى الكلام في الرد على الشيعة: 27.
(9) المنهاج في شرح صحيح مسلم، وعنه أضواء على السنة المحمدية: 313، “والتجوه” طلب الجاه بتكلف.
(10) شرح الهداية في الفقه، وعنه في أضواء على السنة المحمدية: 312.
(11) ترجمته في: حسن المحاضرة 1 / 471، الدرر الكامنة 2 / 392.
(12) أي: في هذه الرواية ورواية أخرى من هذا القبيل.
(13) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2 / 428 ـ 430.
(14) ترجمته في: الدرر الكامنة 2 / 392، شذرات الذهب 6 / 238.
(15) أنظر: نفحات الأزهار خلاصة عبقات الأنوار 6 / 167.
(16) فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2 / 123.
(17) صالح بن مهدي ترجمته في: الأعلام 3 / 197.
(18) العلم الشامخ، وعنه في أضواء على السنة المحمدية: 310.
(19) سورة الإسراء، الآيتان: 47 ـ 48.
(20) المنار 29 / 104 ـ 105.
(21) أضواء على السنة المحمدية: 299 ـ 316.
(22) ضحى الإسلام 2 / 117 ـ 118.
(23) شرح ألفية السيوطي، عنه في أضواء على السنة المحمدية: 311.