مراحل الجمع
لقد تضاربت روايات أهل السنة حول جمع القرآن، وعلى ضوئها اختلفت كلمات علمائهم… والمتحصّل من جميعها: أنّ الجمع للقرآن كان على مراحل ثلاث، الأولى: على عهد النبي صلّى اللّه عليه وآله، حيث كتب في الرقاع والعسب… والثانية: على عهد أبي بكر، وكان بانتساخه من العسب والرقاع وغيرها وجعله في مكان واحد… والثالثة: على عهد عثمان، والذي فعله ترتيبه وحمل الناس على قراءة واحدة… هذا ما كادت تجمع عليه كلماتهم. والجمع في عهد النبي صلّى اللّه عليه وآله كان (حفظاً) و (كتابة) معاً، أما حفظاً، فإنّ الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلّى اللّه عليه وآله كثيرون(1). وأما كتابة، فإن القرآن لم يكن كاملا في الكتابة على عهده عند الذين حفظوه كاملاً، لكن كانت كتابته كاملة عند الجميع، فهو مكتوب كلّه عند جميعهم، وما ينقص من عند واحد يكمله ما عند الآخرين، إلاَّ إنّه كان متواتراً كلّه عن النبي صلّى اللّه عليه وآله في عصره حفظاً(2).
فعمد أبو بكر إلى جمعه، إذ أمر ـ بعد يوم اليمامة ـ بجمع تلك الكتابات وجمع القرآن منها بتأليفه وتدوينه(3).
ثم لمّا كثرت فيه القراءات ووقعت في لفظه الاختلافات، جمع عثمان المصاحف من أصحابها وحمل الناس على قراءة واحدة من بينها، وأعدم سائر المصاحف المخالفة لها.
(1) مباحث في علوم القرآن: 65.
(2) المعجزة الكبرى: 28.
(3) الإتقان 1 / 62، مناهل العرفان 1 / 242، إعجاز القرآن: 236.