جواز نسبة القول بعدم التحريف إليه
وبعد، فإن من الجائز نسبة القول بعدم التحريف إلى الشيخ الكليني رحمه اللّه لعدة وجوه:
1 ـ إنه كما روى ما ظاهره التحريف، فقد روى ما يفيد عدم التحريف بمعنى الإسقاط في الألفاظ، وهو ما كتبه الإمام عليه السلام إلى سعد الخير «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية».
2 ـ إنّ عمدة روايات الكليني الظاهرة في التحريف تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما يفيد اختلاف قراءة الأئمة مع القراءة المشهورة.
الثاني: ما ظاهر سقوط أسماء الأئمة ونحو ذلك.
أما القسم الأول فخارج عن بحثنا.
وأما القسم الثاني ـ فمع غض النظر عن الأسانيد ـ فكلّه تأويل من أهل البيت عليهم السلام، والتأويل لا ينافي التفسير، وإرادة معنى لا تضاد إرادة معنى آخر، وقد روى الكليني ما هو صريح في هذا الباب عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عز وجل: (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ). إنها نزلت في رحم آل محمد، وقد يكون في قرابتك ـ ثم قال ـ ولا تكونن ممن يقول الشيء أنه في شيء واحد.
3 ـ إن كلمات الأعلام والأئمة العظام من الشيعة الإمامية كالصدوق، والمفيد والمرتضى والطبرسي الصريحة في أنّ المذهب هو عدم التحريف وأن القائلين بالتحريف شذاذ من الحشوية، تقتضي أن لا يكون الكليني قائلاً بالتحريف، لا سيما كلام الصدوق الصريح في «أن من نسب إلينا… فهو كاذب» وإلاّ لم يقولوا كذلك إذ لم ينسوا شأن الكليني وعظمته في الطائفة.
4 ـ إنّ دعوى الإجماع من جماعة من أعلام الطائفة كالشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره، ترجّح القول بأنّ الكليني من نفاة التحريف، وإلاَّ لما ادّعوه مع الالتفات إلى شخصية الكليني.
5 ـ الكليني رحمه اللّه روى الأخبار المفيدة للتحريف في (باب النوادر)، ومن المعلوم أن النوادر هي الأحاديث الشاذة التي تترك ولا يعمل بها كما نصّ على ذلك الشيخ المفيد وغيره(1).
(1) معجم رجال الحديث 1 / 45، مقباس الهداية: 45.