ثالثاً: قول عمر بن الخطاب: حسبنا كتاب اللّه
ومن الرزايا العظيمة والكوارث المؤلمة التي قصمت ظهر المسلمين وأدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم اللّه ورسوله، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف.
ومجمل القضية هو: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته ـ فيهم عمر بن الخطاب ـ قال: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، وفي لفظ آخر: أئتوني بالكتف والدواة ـ أو: اللوح والدواة ـ أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً.
فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع(1)، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه!
فاختلف الحاضرون، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر! فلما أكثروا ذلك عنده صلّى اللّه عليه وآله قال لهم: قوموا عني(2).
ولسنا نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل لكلامه هذا الذي غيّرَ مجرى التأريخ، وحال دون ما أراده اللّه والرسول لهذه الأمة من الخير والصلاح والرشاد، إلى يوم القيامة.
وإنما نريد الاستشهاد بقوله: «إن عندنا القرآن، حسبنا كتاب اللّه» الصريح في وجود القرآن عندهم مدوناً مجموعاً حينذاك، ويدلّ على ذلك أنه لم يعترض عليه أحد ـ لا من القائلين: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً، ولا من غيرهم ـ بأنّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينه صلّى اللّه عليه وآله وبين كتابة الوصية.
(1) قال سيدنا شرف الدين: «وقد تصرفوا فيه فنقلوه بالمعنى، لأنّ لفظه الثابت: «إن النبي يهجر» لكنهم ذكروا أنه قال: إن النبي قد غلب عليه الوجع. تهذيباً للعبارة واتقاء فظاعتها». النص والاجتهاد: 143.
(2) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير تجد القضية باختلاف ألفاظها.