القول بنسخ التلاوة هو القول بالتحريف
إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف ونقصان القرآن وبيان ذلك: أنّ نسخ التلاوة هذا، إمّا أن يكون قد وقع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وإمّا أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده.
فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فهو أمر يحتاج إلى الإثبات، وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الأصول وغيرها، بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل إن جماعة ممّن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه، وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله بأخبار هؤلاء الرواة؟!
مع أن نسبة النسخ إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الإسقاط قد وقع بعده.
وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله فهو عين القول بالتحريف.
وعلى ذلك، فيمكن أن يدّعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة، سواء أنسخ الحكم أو لم ينسخ، بل تردد الأصوليون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته، وفي جواز أن يمسه المحدث، واختار بعضهم عدم الجواز.
وباختصار نقول: إنّ نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول بالتحريف، لعدم ثبوت نسخ التلاوة بالدليل القطعي، سواء كان نسخاً لأصل التلاوة أو نسخاً لها ولما تضمّنته من حكم معاً(1).
(1) راجع أصول الفقه 2 / 53.