وهناك شبهات تعرض للناظر في أحاديث الشيعة الإمامية حول القرآن الحكيم، فعلينا دفعها بالرغم من ثبوت بطلان تلك الأحاديث المتقدّمة وأمثالها، وعدم صلاحيتها للاستناد إليها.
الشبهة الأولى: تواتر أحاديث تحريف القرآن
لما رأى بعض محدّثي الإمامية كثرة الأحاديث عدداً الموهمة لتحريف القرآن، عرضت لهم شبهة تواتر تلك الأحاديث، ومن هؤلاء:
1 ـ المحدِّث الجزائري، فإنه قال في وجوه ردّه على القول بتواتر القراءات: «الثالث: إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكلّ قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالّة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً»(1).
ولكن يردّه تصريح جماعة من كبار العلماء المحققين ـ وفيهم الأخباريون الفطاحل ـ بأن أحاديث التحريف أخبار آحاد لا يمكن الركون إليها والاعتماد عليها في هذه المسألة الاعتقادية، وقد تقدم بعضها.
فقد قال شيخ الطائفة: «غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن…، لا توجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها».
وقال الشيخ المجلسي: «إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على اللّه تعالى بصحتها».
2 ـ الشيخ المجلسي في كتابه (مرآة العقول) فإنه قال بعد حديث قال إنه موثق:
«ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره. وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر».
ويردّه كلامه هو في (بحار الأنوار) وقد تقدّم نصه.
على أن قوله: «وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن» غريب، فإن السيد المرتضى قال: «نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته».
كما أنكر صحتها الطوسي شيخ الطائفة والمحدث الكاشاني، بل هو نفسه حيث قال: «إن الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على اللّه تعالى بصحتها». ومن قبلهم قال شيخ المحدِّثين الصدوق وتقدم كلامه.
3 ـ المحدِّث الحر العاملي، فإنه قال بعد أن روى حديثين عن تفسير العياشي:
«أقول: هذه الأحاديث وأمثالها دالّة على النص على الأئمة عليهم السلام وكذا التصريح بأسمائهم، وقد تواترت الأخبار بأن القرآن نقص منه كثير وسقط منه آيات لمّا تكتب».
ويكفي لدفع دعوى التواتر هذه نصوص العلماء، وما تقدم نقله عنه في الفصل الأول.
(1) الأنوار النعمانية 2 / 357.