الشبهات الناشئة عن هذه الأحاديث
هذه بعض من الأحاديث في كيفية جمع القرآن وفيها شبهات حول القرآن:
الشبهة الأولى: جمع القرآن بعد مقتل القراء
وتفيد طائفة أخرى من أحاديثهم في باب جمع القرآن: أنّ الجمع كان بعد أن قُتل عدد كبير من القراء في حرب اليمامة(1)، فعمدوا إلى جمعه وتدوينه مخافة أن يفقد القرآن بفقد حفّاظه وقرّائه كما ذهبت آية منه مع أحدهم كما في الخبر. وهذا بطبيعة الحال يورث الشك والشبهة في هذا القرآن.
الشبهة الثانية: جمع القرآن من العسب ونحوها ومن صدور الرجال
وصريح بعض تلك الأحاديث: أنّهم تصدّوا لجمع القرآن من العسب والرقاع واللخاف(2) ومن صدور الرجال الباقين بعد حرب اليمامة، لكن بشرط أن يشهد شاهدان على أن ما يذكره قرآن، ففي الحديث عن زيد: «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال» وفيه: «وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شاهدان».
ومن المتسالم عليه بين المسلمين عدم عصمة الأصحاب(3)، والعادة تقضي بعدم التمكن من الإحاطة بجميع ما هم بصدده في هذه الحالة، بل لا أقل من احتمال عدم إمكان إقامة الشاهدين على بعض ما يدّعى سماعه من النبي صلّى اللّه عليه وآله، بل قد وقع ذلك بالنسبة إلى بعضهم كعمر في آية الرجم، حيث ذكروا: «أنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده».
الشبهة الثالثة: إحراق عثمان المصاحف
وإعدام عثمان المصاحف مما تواترت به الأخبار، بل من ضروريات التأريخ الإسلامي(4) وهذه القضية ـ بغض النظر عن جزئياتها ـ تفضي إلى الشك في هذا القرآن، إذ الاختلاف بينه وبينها قطعي، فما الدليل على صحته دونها؟ ومن أين الوثوق بحصول التواتر لجميع سوره وآياته؟ لا سيّما وأنّ أصحاب المصاحف تلك كانوا أفضل وأعلم من زيد بن ثابت في علم القرآن، لا سيما عبداللّه بن مسعود الذي أخرج البخاري عنه أنه قال: «واللّه لقد أخذت من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بضعاً وسبعين سورة، واللّه لقد علم أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله أني أعلمهم بكتاب اللّه» وروى أبو نعيم بترجمته أنه قال: «أخذت من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان، وأنا أدع ما أخذت من فيّ رسول اللّه؟!»(5).
(1) راجع حول حرب اليمامة: حوادث السنة 11 من تاريخ الطبري 3 / 281 ـ 301.
(2) اللخاف: حجارة بيض رقاق، واحدتها لخفة، الصحاح (لخف) 4 / 1426.
(3) بل فيهم من ثبت فسقه ونفاقه … .
(4) جاء في بعض الأخبار أنه أمر بطبخها، وفي بعضها: أمر بإحراقها، وفي بعضها: أمر بمحوها.
(5) حلية الأولياء 1 / 125.