قد ذكرنا أن المعروف من مذهب أهل السنة هو موافقة الشيعة الاثني عشرية في القول بصيانة القرآن الكريم من التحريف، فيكون هذا
القول هو المتفق عليه بين المسلمين.
وإذا كان المعروف من مذهب أهل السنة ذلك، فمن اللاّزم أن يكونوا قد تأولوا أو أعرضوا عمّا جاء في كتبهم من الأحاديث الصريحة بوقوع
التحريف وغيره من وجوه الاختلاف في القرآن الكريم، عن جماعة كبيرة من أعيان الصحابة وكبار التابعين ومشاهير العلماء والمحدثين.
والواقع: أنّ تلك الأحاديث موجودة في أهم أسفار القوم، وإن شقّ الاعتراف بذلك على بعض كتّابهم، وهي كثيرة ـ كما اعترف الآلوسي(1) ـ
وليست بقليلة كما وصفها الرافعي(2).
هذا، مضافاً إلى ما دلَّ على وقوع الخطأ واللّحن في القرآن، والزيادة فيه، وتبديل لفظ منه بلفظ آخر.
ولنذكر نماذج مما رووه عن الصحابة في الزيادة والتبديل، ثم ما رووه عنهم في النقيصة.
الزيادة في القرآن
فمن الزيادة في القرآن ـ في السور ـ ما اشتهر عن عبداللّه بن مسعود وأتباعه من زيادة المعوّذتين، فقد روى أحمد وغيره عن عبدالرحمن
بن يزيد: «كان عبداللّه يحك المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من كتاب اللّه تعالى»(3) وفي الإتقان: قال ابن حجر في شرح
البخاري: «قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك»(4).
ومن الزيادة ـ في ألفاظه ـ : ما رووه عن أبي الدرداء من زيادة «ما خلق» في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى)(5) ففي البخاري بسنده
عن علقمة: «دخلت في نفر من أصحاب عبداللّه الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم. قال: فأيّكم أقرأ؟
فأشاروا إلىَّ فقال: إقرأ، فقرأت: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى فقال: أنت سمعتها من فىّ صاحبك؟ قلت: نعم. قال: وأنا
سمعتها من فيّ النبي وهؤلاء يأبون علينا»(6).
(1) روح المعاني 1 / 25.
(2) إعجاز القرآن: 44.
(3) مسند أحمد 5 / 129.
(4) الإتقان في علوم القرآن 1 / 271.
(5) سورة الليل: 3.
(6) صحيح البخاري 6 / 210.