التصريح بوقوع التحريف
بل في علماء أهل السنة من يعتقد بتحريف القرآن الكريم وينادي به بأعلى صوته… إما اعتماداً على ما روي في كيفية جمع القرآن، وإما اعتقاداً بصحة كلّ ما أخرج في كتابي البخاري ومسلم، وإما إنكاراً لنسخ التلاوة… .
وعلى كلّ حال… فقد ذهب جماعة منهم إلى القول بسقوط شيء من القرآن، قال الرافعي ما نصه: «… فذهب جماعة من أهل الكلام ـ ممّن لا صناعة لهم إلاَّ الظن والتأويل واستخراج الأساليب الجدلية من كلّ حكم وكل قول ـ إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء، حملاً على ما وصفوا من كيفيّة جمعه»(1).
ولقد نسب هذا القول إلى الحشوية من أهل السنّة والجماعة ـ وهم أصحاب أبي الحسن البصري ـ فإنهم ذهبوا إلى وقوع التحريف في القرآن تغييّراً ونقصاناً(2).
وروى السيوطي عن الثوري قوله: «بلغنا أنّ ناساً من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله كانوا يقرأون أصيبوا يوم مسيلمة، فذهبت حروف من القرآن»(3).
وذكر القرطبي في تفسيره أنه طعن قوم على عثمان جمع القرآن ثم قرأوا بما نسخ، وأنّه قد نبغ في زمانه من زعم أنّ المصحف الذي جمعه عثمان لا يشتمل على جميع القرآن(4).
وقال الزرقاني ـ في بيان الأقوال في معنى حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ـ ما نصه: «وهو: أنّ المراد بالأحرف: السبعة أوجه من الألفاظ المختلفة في كلمة واحدة ومعنى واحد، وإن شئت فقل: سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة ومعنى واحد، نحو: هلمّ وأقبل وتعال، وعجّل وأسرع وقصدي ونحوي، فهذه ألفاظ سبعة معناها واحد هو: طلب الإقبال. وهذا القول منسوب لجمهور أهل الفقه والحديث، منهم: سفيان، وابنه وهب، وابن جرير الطبري، والطحاوي».
وقال ابن الخطيب في كتابه الفرقان(5) تحت عنوان «لحن الكتاب في المصحف»: «وقد سُئِلت عائشة عن اللّحن الوارد في قوله تعالى: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) وقوله عزّ من قائل: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، وقوله عزّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ)فقالت: هذا من عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكِتاب.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا). قال: إنما هي خطأ من الكاتب، حتى تستأذنوا وتسلّموا.
وقرأ أيضاً: أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعاً.
فقيل له: إنّها في المصحف: «أفلم ييأس؟» فقال: أظن أنّ الكاتب قد كتبها وهو ناعس.
وقرأ أيضاً: مثل نور المؤمن كمشكاة، وكان يقول: هي خطأ من الكاتب، هو تعالى أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة.
وقال الفقيه الحنفي والصّوفي الكبير الشيخ عبدالوهاب الشعراني المتوفى سنة 973: «لولا ما يسبق القلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير موضعها، لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان»(6).
(1) إعجاز القرآن: 41.
(2) راجع: مجمع البيان 1 / 15 وغيره.
(3) الدر المنثور 5 / 345.
(4) تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن 1 / 81 – 82 و 84 .
(5) طبع هذا الكتاب بمطبعة دار الكتب المصرية سنة 1367 ـ 1948.
(6) الكبريت الأحمر ـ ط على هامش اليواقيت والجواهر ـ : 128.