4 ـ وجوب المحبّة المطلقة يستلزم العصمة:
وأيضاً: فإن إطلاق الأمر بمودّتهم دليل على عصمتهم، وإذا ثبتت العصمة ثبتت الإمامة، وهذا واضح.
أمّا أنّ إطلاق الأمر بمودّتهم ـ الدالّ على الإطاعة المطلقة ـ دليل على عصمتهم، فيكفي فيه كلام الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(1). فإنه قال ما نصّه:
«إنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابُدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنّه محال. فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ (أُولي الأمر) المذكور في هذه الآية لابُدّ وأن يكون معصوماً»(2).
فهذا محلّ الشاهد من كلامه، وأمّا مَن «أُولي الأمر» الّذين أُمرنا بإطاعتهم؟ فذاك بحث آخر..
وعلى الجملة، فوجوب الإطاعة والإتباع على الإطلاق ـ المستفاد من وجوب المحبّة المطلقة ـ مستلزم للعصمة.
وقد ذكر هذا الوجه غير واحد من علمائنا:
قال البياضي العاملي رحمه الله: «جعل الله أجر رسالة نبيّه في مودّة أهله في قوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). قالوا: المراد القربى في الطاعات، أي: في طاعة أهل القربى.
قلنا: الأصل عدم الإضمار، ولو سلّم فلا يتصوّر إطلاق الأمر بمودّتهم إلاّ مع عصمتهم.
قالوا: المخاطب بذلك الكفّار، يعني: راقبوا نسبي منكم، يعني القرشية.
قلنا: الكفّار لا تعتقد للنبيّ أجراً حتّى تخاطب بذلك.
على أنّ الأخبار المتّفق عليها تنافي الوجهين، ففي صحيح البخاري…»(3).
وقال السيّد الشبّر: «وجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة، لأنّ المودّة إنّما تجب مع العصمة، إذ مع وقوع الخطأ منهم يجب ترك مودّتهم كما قال تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(4). وغيرهم عليهم السلام ليس بمعصوم اتّفاقاً. فعليّ وولداه الأئمّة»(5).
(1) سورة النساء 4: 59.
(2) تفسير الرازي 10/144.
(3) الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم 1/188.
(4) سورة المجادلة 58: 22.
(5) حقّ اليقين في معرفة أُصول الدين 1/270.