3 ـ لماذا لم يقل: إلاّ المودّة للقربى؟
وطرحُ هذه الشبهة من مثل الدهلوي غير بعيد، لكنّه من مثل ابن تيميّة الذي يدّعي العربيّة عجيب!! وليته راجع كلام أهل الفنّ:
قال الزمخشري: «يجوز أن يكون استثناءً متّصلا، أي: لا أسألكم أجراً إلاّ هذا، وهو أن تودّوا أهل قرابتي، ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة، لأنّ قرابته قرابتهم، فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة.
ويجوز أن يكون منقطعاً، أي: لا أسألكم أجراً قطّ ولكنّني أسألكم أن تودّوا قرابتي الّذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم.
فإن قلت: هلاّ قيل: إلاّ مودّة القربى، أو: إلاّ المودّة للقربى؟ وما معنى قوله: (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟
قلت: جُعلوا مكاناً للمودّة ومقرّاً لها، كقولك: لي في آل فلان مودّة، ولي فيهم هوى وحبّ شديد. تريد: أُحبّهم وهم مكان حبّي ومحلّه، وليست «في» بصلة للمودّة كاللام إذا قلت: إلاّ المودّة للقربى، إنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به في قولك: المال في الكيس. وتقديره: إلاّ المودّة ثابتةً في القربى ومتمكّنة فيها. والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى قرابة، والمراد: في أهل القربى. وروي أنّها لمّا نزلت قيل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟قال: عليّ وفاطمة وابناهما.
ويدلّ عليه ما روي عن عليّ رضي الله عنه: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد الناس لي، فقال: أما ترضى أن تكون رابع أربعة: أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذرّيّتنا خلف أزواجنا!»(1).
وقرّره الفخر الرازي حيث قال: «أورد صاحب الكشّاف على نفسه سؤالا فقال: هلاّ قيل: إلاّ مودّة القربى، أو: إلاّ المودّة للقربى، وما معنى قوله: (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟
وأجاب بأن قال: جُعلوا مكاناً للمودّة ومقرّاً لها كقولك: لي في آل فلان مودّة، ولي فيهم هوىً وحبّ شديد. تريد أُحبّهم وهم مكان حبّي ومحلّه»(2).
وكذا أبو حيّان واستحسنه(3).
وقال النيسابوري: «ثمّ أمر رسوله بأن يقول: (لاَّ أَسْأَلُكُمْ)على هذا التبليغ (أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ) الكائنة (فِي الْقُرْبَى) جُعلوا مكاناً للمودّة ومقرّاً لها، ولهذا لم يقل: مودّة القربى، أو: المودّة للقربى، وهي مصدر بمعنى القرابة، أي: في أهل القربى وفي حقّهم»(4).
وقال أبو السعود بعد أن جعل الاستثناء متّصلا: «وقيل: الاستثناء منقطع والمعنى: لا أسألكم أجراً قطّ ولكن أسألكم المودّة.
و (فِي الْقُرْبَى) حال منها. أي: المودّة ثابتة في القربى متمكّنة في أهلها أو في حقّ القرابة. والقربى مصدر كالزلفى، بمعنى القرابة. روي: أنّها لمّا نزلت قيل: يا رسول الله، مَن قرابتك…»(5).
وراجع أيضاً تفاسير: البيضاوي والنسفي والشربيني، وغيرهم.
(1) الكشّاف في تفسير القرآن 4/219 ـ 220.
(2) التفسير الكبير 27/167.
(3) البحر المحيط 7/516.
(4) تفسير النيسابوري ـ هامش الطبري ـ 25/33.
(5) تفسير أبي السعود 8/30.