دحض الشبهات المثارة على دلالة الآية على الإمامة
أقول:
وهذا كلام السيّد الشهيد التستري في الردّ على ابن روزبهان، الذي أشكل على العلاّمة الحلّي…
* قال ابن روزبهان: «ونحن نقول: إنّ مودّته واجبة على كلّ المسلمين، والمودّة تكون مع الطاعة، ولا كلّ مطاع يجب أن يكون صاحب الزعامة الكبرى».
فأجاب السيّد رحمه الله: «وأمّا ما ذكره من أنّه لا يدلّ على خلافة عليٍّ عليه السلام فجهالة صِرفة أو تجاهل محض! لظهور دلالة الآية على أنّ مودّة عليٍّ عليه السلام واجبة بمقتضى الآية، حيث جعل الله تعالى أجر الإرسال إلى ما يستحقّ به الثواب الدائم مودّة ذوي القربى، وإنّما يجب ذلك مع عصمتهم، إذ مع وقوع الخطأ منهم يجب ترك مودّتهم لقوله تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآية. وغير عليٍّ ليس بمعصوم بالاتّفاق، فتعيّن أن يكون هو الإمام.
وقد روى ابن حجر في الباب الحادي عشر من صواعقه عن إمامهم الشافعي شعراً في وجوب ذلك برغم أنف الناصب، وهو قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبّكم *** فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم *** من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
على أنّ إقامة الشيعة للدليل على إمامة عليٍّ عليه السلام على أهل السُنّة غير واجب بل تبرّعي، لاتّفاق أهل السُنّة معهم على إمامته بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، غاية الأمر أنّهم ينفون الواسطة وأهل السُنّة يثبتونها، والدليل على المثبت دون النافي كما تقرّر في موضعه، إلاّ أن يرتكبوا خرق الإجماع بإنكار إمامته مطلقاً، فحينئذ يجب على الشيعة إقامة الدليل، والله الهادي إلى سواء السبيل»(1).
وقال الشيخ المظفّر في جواب ابن روزيهان بعد كلام له:
«فيتعيّن أن يكون المراد بالآية: الأربعة الأطهار، وهي تدلّ على أفضليّتهم وعصمتهم وأنّهم صفوة الله سبحانه، إذ لو لم يكونوا كذلك لم تجب مودّتهم دون غيرهم، ولم تكنّ مودّتهم بتلك المنزلة التي ما مثلها منزلة، لكونها أجراً للتبليغ والرسالة الذي لا أجر ولا حقّ يشبهه.
ولذا لم يجعل الله المودّة لأقارب نوح وهود أجراً لتبليغهما، بل قال لنوح: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهَ) وقال لهود:
(قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).
فتنحصر الإمامة بقربى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذ لا تصحّ إمامة المفضول مع وجود الفاضل، لا سيّما بهذا الفضل الباهر. مضافاً إلى ما ذكره المصنّف ـ رحمة الله ـ من أنّ وجوب المودّة مطلقاً يستلزم وجوب الطاعة مطلقاً، ضرورة أنّ العصيان ينافي الودّ المطلق، ووجوب الطاعة مطلقاً يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة، ولا معصوم غيرهم بالإجماع، فتنحصر الإمامة بهم، ولا سيّما مع وجوب طاعتهم على جميع الأُمّة.
وقد فهم دلالة الآية على الإمامة الصحابةُ، ولذا اتّهمَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعضُهم فقالوا: ما يريد إلاّ أن يحثّنا على قرابته بعده، كما سمعته من بعض الروايات السابقة(2) وكلّ ذي فهم يعرفها من الآية الشريفة، إلاّ أنّ القوم أبوا أن يقرّوا بالحقّ ويؤدّوا أجر الرسالة، فإذا صدرت من أحدهم كلمة طيّبة لم تدعه العصبيّة حتّى يناقضها…»(3)!
* وبالتأمّل في الوجوه التي ذكرناها وما نصّ عليه علماؤنا، يظهر الجواب عن كلام السعد التفتازاني حيث أورد دليلنا في مباحث الأفضلية قائلا:
«القائلون بأفضليّة عليٍّ رضي الله عنه تمسّكوا بالكتاب والسُنّة والمعقول. أمّا الكتاب فقوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) الآية… وقوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال سعيد بن جبير: لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الّذين نودّهم؟ قال: عليّ وفاطمة ووَلَداها. ولا يخفى أنّ من وجبت محبّته بحكم نصّ الكتاب كان أفضل.
وكذا من ثبتت نصرته للرسول بالعطف في كلام الله تعالى عنه على اسم الله وجبريل، مع التعبير عنه بـ «صالح المؤمنين» وذلك قوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ). فعن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ أنّ المراد به عليّ…».
ثم قال: «والجواب: إنّه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتّصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات ; إلاّ أنّه لا يدلّ على الأفضليّة ـ بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله ـ بعد ما ثبت من الاتّفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضليّة أبي بكر ثمّ عمر، والاعتراف من عليٍّ بذلك!
على انّ في ما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصل، مثل: إنّ المراد بأنفسنا نفس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما يقال: دعوت نفسي إلى كذا. وأنّ وجوب المحبّة وثبوت النصرة على تقدير تحقّقه في حقّ عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ فلا اختصاص به»(4).
أقول:
قد عرفت أنّ الآية المباركة تدلّ على وجوب محبّة عليٍّ عليه السلام، ووجوب المحبّة المطلقة يدل على أنّه الأحبّ عند الله ورسوله، والأحبّيّة دالّة على الأفضلية.
وأيضاً: وجوب المحبّة المطلقة يستلزم العصمة وهي شرط الإمامة.
وأمّا دعوى أفضليّة أبي بكر وعمر فأوّل الكلام… كدعوى عدم الاختصاص بعليٍّ عليه السلام، لقيام الإجماع على عدم عصمة أبي بكر وعمر…
* وقد اضطرب ابن تيميّة في هذا المقام، فقال: «إنّا نسلّم أنّ عليّاً تجب مودّته وموالاته بدون الاستدلال بهذه الآية، لكن ليس في وجوب موالاته ومودّته ما يوجب اختصاصه بالإمامة والفضيلة. وأمّا قوله: والثلاثة لا تجب مودّتهم ; فممنوع ; بل يجب أيضاً مودّتهم وموالاتهم، فإنّه قد ثبت أنّ الله يحبّهم، ومن كان يحبّه الله وجب علينا أن نحبّه، فإنّ الحبّ في الله والبغض في الله واجب، وهو أوثق عرى الإيمان، وكذلك هم من أكابر أولياء الله المتّقين، وقد أوجب الله موالاتهم، بل قد ثبت أنّ الله رضي عنهم ورضوا عنه بنصّ القرآن، وكلّ من رضي الله عنه فإنّه يحبّه، والله يحبّ المتّقين والمحسنين والمقسطين والصابرين…»(5).
فإنّ الرجل قد خَصَمَ نفسه باعترافه بوجوب محبّة: المتّقين والمحسنين والمقسطين والصابرين… بل مطلق المؤمنين.. فإنّ أحداً لا ينكر شيئاً من ذلك، ومَن يقول بأنّ المؤمن ـ إذا كان مؤمناً حقاً ـ لا يجب أن نحبه لا سيّما إذا كان مع ذلك من أهل التقوى والإحسان والصبر؟!
لكنّ الكلام في المحبّة المطلقة، وفي الأحبّيّة عند الله ورسوله،المستلزمة للأفضلية وللعصمة ووجوب الطاعة… هذه الأُمور التي لم يقل أحد بوجودها في غير عليٍّ عليه السلام، لا سيّما العصمة، إذ قام الإجماع على عدمها في غيره.
ثمّ إنّ ابن تيميّة شرع يستدلّ ببعض الأخبار التي يروونها عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أنّ أحبّ الناس إليه عائشة!! قيل: فمِن الرجال؟ قال: أبوها! وأنّ عمر قال لأبي بكر في السقيفة: أنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله!!
وكلّ عاقل يفهم ما في الاستدلال بمثل هذه الأخبار!!
* ولقد أحسن الآلوسي حيث لم يستدلّ بشيء من أخبارهم في هذا البحث، فإنّه قد انتحل كلام عبد العزيز الدهلوي واعتمده في الجواب عن استدلال الإماميّة، إلاّ أنّه بتركلامه ولم يأتِ به إلى الآخر! وهو ما سنشير إليه:
قال الآلوسي: «ومن الشيعة من أورد الآية في مقام الاستدلال على إمامة عليٍّ كرّم الله تعالى وجهه، قال: عليّ كرّم الله تعالى وجهه واجب المحبّة، وكلّ واجب المحبّة واجب الطاعة، وكلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة. ينتج: علي رضي الله تعالى عنه صاحب الإمامة. وجعلوا الآية دليل الصغرى.
ولا يخفى ما في كلامهم هذا من البحث:
أمّا أوّلا: فلأن الاستدلال بالآية على الصغرى لا يتمّ إلاّ على القول بأنّ معناها: لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودّوا قرابتي وتحبّوا أهل بيتي. وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأوّل. وقيل في هذا المعنى: إنّه لا يناسب شأن النبوّة لِما فيه من التهمة، فإنّ أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم. وأيضاً فيه منافاة مّا لقوله تعالى: (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر).
وأمّا ثانياً: فلأنّا لا نسلّم أنّ كلّ واجب المحبّة واجب الطاعة، فقد ذكر ابن بابويه في كتاب الاعتقادات: إنّ الإماميّة أجمعوا على وجوب محبّة العلويّة، مع أنّه لا يجب طاعة كلّ منهم.
وأمّا ثالثاً: فلانّا لا نسلّم أنّ كلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة، أي الزعامة الكبرى، وإلاّ لكان كلّ نبيّ في زمنه صاحب ذلك، ونصّ:
(إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) يأبى ذلك.
وأمّا رابعاً: فلأن الآية تقتضي أن تكون الصغرى: أهل البيت واجبوا الطاعة، ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا تنتج النتيجة التي ذكروها، ولو سلّمت جميع مقدماتها، بل تنتج: أهل البيت صاحبوا الإمامة، وهم لا يقولون بعمومه.
إلى غير ذلك من الأبحاث. فتأمّل ولا تغفل»(6).
أقول:
هذا كلّه كلام الدهلوي بعينه! وقد جاء بعده في «التحفة الاثنا عشرية» الاستدلال بأحاديث:
* قال الدهلوي: «روى أبو طاهر السلفي في مشيخته عن أنس، قال: قال رسول الله: حبّ أبي بكر وشكره واجب على كلّ أُمّتي. وروى ابن عساكر عنه نحوه. ومن طريق آخر عن سهل بن سعد الساعدي.
وأخرج الحافظ عمر بن محمّد بن خضر الملاّ في سيرته عن النبيّ: أنّه قال: إنّ الله تعالى فرض عليكم حبّ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ كما فرض عليكم الصلاة والصوم والحجّ.
وروى ابن عديّ، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: حبّ أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق.
وروى ابن عساكر، عن جابر: أنّ النبيّ قال: حبّ أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر.
وروى الترمذي أنّه أُتي بجنازة إلى رسول الله فلم يصلّ عليه وقال: إنّه كان يبغض عثمان فأبغضه الله».
ثمّ إنّه التفت إلى عدم جواز إلزام الإمامية بما اختصّ أهل السُنّة بروايته، فأجاب قائلا: «إنّه وإن كانت هذه الأخبار في كتب أهل السُنّة فقط، لكن لمّا كان الشيعة يقصدون إلزام أهل السُنّة برواياتهم، فإنّه لابُدّ من لحاظ جميع روايات أهل السُنّة، ولا يصحّ إلزامهم برواية منها.
وإن ضيّقوا على أهل السُنّة، أمكن إثبات وجوب محبّة الخلفاء بالإجماع في حقّ المقاتلين للمرتدّين، وقد كان الثلاثة أئمّة هؤلاء المقاتلين، ومَن أحبّه الله وجبت محبّته. وعلى هذا القياس»!
هذا آخر كلام الدهلوي(7).
أقول:
إنّ من الواضح عدم جواز إلزام الخصم إلاّ بما يرويه خاصّةً، أو ما اتّفق الطرفان على روايته، هذا إذا كان الخبر المستدلُّ به معتبراً عند المستدل، فإن لم يكن الخبر معتبراً حتّى عند المستدلّ به فكيف يجوز له إلزام الطرف الآخر به؟!
ليت الدهلوي استدلّ ـ كابن تيميّة ـ بكتابي البخاري ومسلم المعروفين بالصحيحين، فإنّ الأحاديث التي استدلّ بها كلّها باطلة سنداً، وهذا هو السرّ في إعراض الآلوسي عنها وإسقاطه لها.
إنّ أحسن هذه الأحاديث ما أخرجه الترمذي في كتابه ـ وهو يعدّ أحد الصحاح الستّة ـ من امتناع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الصلاة على الجنازة ; قال الترمذي:
«حدّثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي وغير واحد، قالوا: حدّثنا عثمان بن زفر، حدّثنا محمّد بن زياد، عن محمّد بن عجلان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أُتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجنازة رجل يصلّي عليه فلم يصلّ عليه، فقيل: يا رسول الله! ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا؟! قال: إنّه كان يبغض عثمان فأبغضه الله»!
لكنّ هذا الحديث ساقط سنداً حتّى عند راويه الترمذي! قال:
«هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ومحمّد بن زياد صاحب ميمون بن مهران ضعيف في الحديث جدّاً»(8).
ثمّ إنّ ابن الجوزي أورده في (الموضوعات) بطريقين، وقال: «الطريقان على محمّد بن زياد. قال أحمد بن حنبل: هو كذّاب خبيث يضع الحديث. وقال يحيى: كذّاب خبيث. وقال السعدي والدارقطني: كذّاب. وقال البخاري والنسائي والفلاّس وأبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الثقات، لا يحلّ ذِكره في الكتب إلاّ على وجه القدح فيه»(9).
فيظهر أنّ الترمذي حيث قال: «ضعيف جدّاً» لم يقل الحقّ كما هو حقّه!! وظهر أنّ الحقّ مع الآلوسي حيث ترك الاستدلال به وهو أحسن ما ذكر الدهلوي.
فالعجب من الدهلوي كيف يستدلّ بحديث هذه حاله، ويريد إلزام الشيعة به، وفي مسألة أُصولية؟!
ولو وجدتُ مجالا لبيّنت حال بقيّة هذه الأحاديث، لكن لا حاجة إلى ذلك بعد معرفة حال أحسنها سنداً!!
فلنعُد إلى الوجوه التي وافق فيها الآلوسي الدهلوي وأخذها منه، فنقول:
أمّا الأوّل: فجوابه: إنّ الصغرى تامّة كما تقدّم بالتفصيل، وقلنا بأنّ طلب الأجر إنّما هو بناءً على اتّصال الاستثناء، وقد عرفتَ حقيقة هذا الأجر وعوده إلى المسلمين أنفسهم، فلا شبهة ولا تهمة. وأما بناءً على انقطاع الاستثناء فلا إشكال أصلا.
وأمّا الثاني: فإنّ الإماميّة أجمعت على وجوب محبّة العلويّة، بل كلّ مؤمن من المؤمنين، ولكنّ الآية المباركة دالة على وجوب المحبّة المطلقة لعليٍّ والزهراء والحسنين، فلا نقض، ولذا لم يقل أحد منهم بوجوب محبّة غير الأربعة والمعصومين محبّةً مطلقة… والكلام في المحبّة المطلقة لا مطلق المحبّة، فما ذكراه جهل أو تجاهل!
وأمّا الثالث فيظهر جوابه ممّا ذكرناه، فإنّا نريد المحبّة المطلقة المستلزمة للعصمة، فأينما كانت ; كانت الإمامة الكبرى، وأينما لم تكن ; لم تكن!
وأمّا الرابع فيظهر جوابه ممّا ذكرنا أيضاً.
هذا تمام الكلام في تفسير الآية المباركة وبيان دلالتها على إمامة أميرالمؤمنين وأهل البيت عليهم السّلام.
ثم قال تعالى: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) والمراد منها هو «المودّة»، كما ورد عن الأئمة الأطهار من أهل البيت، كالحسن السبط الزكيّ عليه السلام في خطبته التي رواها الحاكم وغيره، وورد أيضاً في غير واحد من تفاسير أهل السُنّة، عن ابن عبّاس والسدّي وغيرهما.
القرطبي: «قوله تعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) أي: يكتسب، وأصل القرف الكسب، يقال… قال ابن عبّاس: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً): المودّة لآل محمّد صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم، (نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً)أي: نضاعف له الحسنة بعشر فصاعداً، (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) قال قتادة: غفور للذنوب شكور للحسنات. وقال السدّي: غفور لذنوب آل محمّد عليه السلام شكور لحسناتهم»(10).
وقال أبو حيّان: «وعن ابن عبّاس والسدّي: أنّها المودّة في آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم… وقال السدّي: غفور لذنوب آل محمّد عليه السلام شكور لحسناتهم»(11).
وقال الآلوسي: «روي ذلك عن ابن عبّاس والسدّي»(12).
وهذا القدر كاف، وهو للقلب السليم شاف، وللمطلب واف.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله والطيّبين الطاهرين الأشراف.
(1) إحقاق الحقّ ـ في الردّ على ابن روزبهان ـ 3/23.
(2) المعجم الكبير 12/26، وغيره.
(3) دلائل الصدق لنهج الحقّ 2/125 ـ 126.
(4) شرح المقاصد 5/295 ـ 299.
(5) منهاج السُنّة 7/103 ـ 104.
(6) روح المعاني 29/33.
(7) التحفة الاثنا عشرية: 205.
(8) صحيح الترمذي 5/588.
(9) الموضوعات 2/332 ـ 333.
(10) تفسير القرطبي 16/24.
(11) البحر المحيط 7/516.
(12) روح المعاني 25/33.