2 ـ وجوب التّوبة
التّوبة إلى اللّه عزّوجلّ واجبة بالكتاب، والسّنة، والإجماع، والعقل.
أمّا الكتاب: فلقد أمر اللّه سبحانه وتعالى عباده بالتّوبة من الذّنوب، والرّجوع إلى طاعته، وإليك بعض آيات الكتاب العزيز في ذلك:
1 ـ قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللّهِ جَميعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(1).
2 ـ وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ)(2).
وسيأتي معنى التّوبة النّصوح.
3 ـ وقال تعالى: (وَأَنيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)(3).
4 ـ وقال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا إِلى أَجَل مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذي فَضْل فَضْلَهُ)(4).
5 ـ وقال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وآله: (قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ اْلأَوَّلينَ)(5).
وأمّا السنّة: فلقد دلّت الرّوايات المتكثّرة الواردة عن النّبيّ الأكرم وآله الطيبين عليه وعليهم الصّلاة والسّلام على وجوب التّوبة… وإليك بعض تلك النصوص:
منها: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «إنّ اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر. توبوا إلى ربّكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الزّاكية قبل أن تشتغلوا، وصلوا الذي بينكم و بينه بكثرة ذكركم إياه»(6).
ومنها: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «توبوا إلى اللّه عزّوجلّ، وادخلوا في محبّته، فإنّ اللّه يحبّ التّوابين ويحبّ المتطهّرين، والمؤمن توّاب»(7).
ومنها: قال عليه السّلام: «تعطّروا بالإستغفار لا تفضحنكم روائح الذّنوب»(8).
ومنها: قال عليه السّلام: «باب التّوبة مفتوح لمن أرادها. فتوبوا إلى اللّه توبةً نصوحاً عسى ربّكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم…»(9).
ومنها: قال عليه السّلام: «… لا خير في الدّنيا إلاّ لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتّوبة، ورجل يسارع في الخيرات»(10).
وأمّا الإجماع: لقد نصّ علماء الحديث والكلام والأخلاق على وجوب التّوبة من الذّنوب، مصرّحين بأنّ ذلك ممّا أجمع عليه المسلمون. وهذه بعض كلماتهم:
1 ـ قال العلاّمة رحمه اللّه: وهي واجبة بالإجماع(11).
وقال رحمه اللّه: ويجب الإقرار بكلّ ما جاء به النّبي صلّى اللّه عليه وآله فمن ذلك… الثّواب والعقاب… ووجوب التّوبة(12).
2 ـ وقال الشّيخ الطّبرسي رحمه اللّه: وكلّ معصية للّه تعالى فإنّه يجب التّوبة منها(13).
3 ـ وقال الشّيخ الفاضل المقداد رحمه اللّه: وهي واجبة لوجوب النّدم إجماعاً على كلّ قبيح وإخلال بواجب(14).
4 ـ وقال الشّيخ النّراقي رحمه اللّه: فصل: وجوب التّوبة: التّوبة عن الذّنوب بأسرها واجبة: الإجماع والنّقل والعقل. أمّا الإجماع فلا ريب في انعقاده…(15).
5 ـ وقال الشّيخ الفيض الكاشاني رحمه اللّه: إعلم: أنّ وجوب التّوبة ظاهر بالأخبار والآيات، وهو واضح بنور البصيرة عند من انفتحت بصيرته، وشرح اللّه بنور الإيمان صدره… .
قال أبو حامد: والإجماع منعقد من الأمّة على وجوبها. إذ معناه: العلم بأنّ الذنوب والمعاصي مهلكات ومبعّدات من اللّه، وهذا داخل في وجوب الإيمان…(16).
6 ـ وقال الشّيخ المجلسيّ رحمه اللّه: لا خلاف في وجوبها في الجملة(17).
وأمّا العقل: والعقل يحكم بالتّوبة، لأنّ التّوبة تدفع الضّرر المترتّب على فعل المعصية والإخلال بالواجب. ولماّ كان العقل حاكماً بوجوب دفع الضّرر ـ وإن كان غير قطعيّ ـ فإنّها إذاً واجبة بحكم العقل.
وقال الشّيخ النّراقي رحمه اللّه:
وأمّا العقل: فهو أنّ من علم معنى الوجوب، ومعنى التّوبة، فلا يشكّ في ثبوته لها.
بيان ذلك: أنّ معنى الواجب وحقيقته هو: ما يتوقّف عليه الوصول إلى سعادة الأبد، والنّجاة من الهلاك السّرمد، ولولا تعلّق السّعادة والشّقاوة بفعل الشيء وتركه، لم يكن معنى لوجوبه، فالواجب ما هو وسيلة وذريعة إلى سعادة الأبد ولا ريب في أنّه لا سعادة في دار البقاء إلاّ في لقاء اللّه والأنس به، فكلّ من كان محجوباً عن اللّقاء والوصال، محروماً عن مشاهدة الجلال والجمال، فهو شقيّ لا محالة، محترق بنار الفراق ونار جهنّم.
ثمّ لا مبعّد عن لقاء اللّه إلاّ اتّباع الشّهوات النّفسية والغضب، والأنس بهذا العالم الفانيّ، والإكباب على حبّ ما لابدّ من مفارقته قطعاً، ويعبّر عن ذلك بالذّنوب، ولا مقرّب من لقاء اللّه إلاّ قطع علاقة القلب من زخرف هذا العالم، والإقبال بالكلّية على اللّه طلباً للأنس به بدوام الذّكر، والمحبّة له بدوام الفكر في عظمته وجلاله وجماله على قدر طاقته.
ولا ريب في أنّ الإنصراف عن طريق البعد الذي هو الشّقاوة واجب، للوصول إلى القرب الذي هو السّعادة.
ولا يتمّ ذلك إلاّ بالتّوبة الّتي عبارة عن العلم و النّدم والعزم ولا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب فالتّوبة واجبة قطعاً(18).
وقال السّيد المحدّث الجزائري رحمه اللّه: أمّا الوجوب على العبد سمعاً فهو مجمع عليه، وإنمّا الخلاف في وجوبها عقلاً، فأثبته المعتزلة وهو الحقّ، لأنّه دفع ضرر وهو واجب عقلاً، ولأنّ الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصّحيح(19).
(1) سورة النّور، الآية: 31.
(2) سورة التّحريم، الآية: 8 .
(3) سورة الزّمر، الآية: 54.
(4) سورة هود، الآية: 3.
(5) سورة الأنفال، الآية: 38.
(6) البحار 6 / 19، الرّقم 5، و 78 / 240، الرّقم 3، نقلاً عن الدّعوات للرّاوندي، ومستدرك الوسائل 2 / 133، الرّقم 1621 وفيه: توبوا إلى بارئكم بدل: ربّكم.
(7) الخصال: 623، حديث أربعمائة، والبحار 6 / 21، الرّقم 14 نقلاً عنه، وتفسير نور الثّقلين 1 / 216، الرّقم 821 ، وتفسير كنز الدّقائق 1 / 531.
(8) أمالي الطّوسي: 372، الرّقم 809 ، والبحار 6 / 22، الرّقم 18 نقلاً عنه، ووسائل الشّيعة 16 / 70، الرّقم 17، وشرح النّهج 20 / 281، الرّقم 225.
(9) الخصال: 624، والبحار 10 / 102، و 70 / 350، الرّقم 47.
(10) روضة الواعظين: 478 ـ 479 وفيه: رجل أذنب ذنباً بدل: ذنوباً، والبحار 6 / 38، الرّقم 62، وشرح النّهج 18 / 250.
(11) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 566، المسألة الحادي عشرة.
(12) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 127، الفصل السّابع.
(13) تفسير مجمع البيان 1 / 176.
(14) النّافع يوم الحشر في الباب الحادي عشر: 127.
(15) جامع السّعادات 3 / 43.
(16) المحجّة البيضاء 7 / 6 و 9.
(17) البحار 6 / 42
(18) جامع السّعادات 3 / 43 ـ 44.
(19) الأنوار النّعمانية 3 / 145، وورد في البحار بهذا المضمون 6 / 48.