1 ـ معنى التّوبة
التّوبة في اللّغة: الرّجوع(1) والإنابة. يقال: تاب إلى اللّه يتوب توباً وتوبةً ومتاباً:
إذا أناب ورجع عن المعصية إلى الطّاعة(2)، فهو من: تاب بمعنى: أناب(3).
وأصل التّوبة: الرّجوع عمّا سلف، والنّدم على ما فرط(4).
وقال الفيومي: تاب من ذنبه يتوب توباً وتوبةً ومتاباًً: أقلع(5).
وقيل: التّوبة هي التّوب، ولكن الهاء لتأنيث المصدر.
وقيل: التّوبة واحدة كالضّربة، فهو تائب…(6).
وقال الرّاغب: التّوب: ترك الذّنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الإعتذار، وهو: أن يقول المعتذر: فعلت وأسأت وقد أقلعت، وهذا هو التّوبة(7).
ويظهر من القاموس والتّاج: أنّ لـ«تاب» مصدرين آخرين غير ما ذكر من المصادر، وهما: تابه على وزن غابة، وتتوبة.
أمّا الأوّل فيشهد له قول الشّاعر:
تبت إليك فتقبل تابتي *** وصمت ربّي فتقبل صامتي
وأمّا الثّاني: فهو من كتاب سيبويه،إلاّ أنّه شاذٌّ(8).
لكن جاء في لسان العرب بعد أن ذكر المصادر الثّلاثة ما نصّه:
فأمّا قوله: تبت إليك… إنّما أراد: توبتي وصومتي، فأبدل الواو ألفاً لضرب من الخفّة، لأنّ هذا الشّعر ليس بمؤسّس كلّه، ألا ترى أنّ فيها:
أدعوك يا ربّ من النّار التي *** أعددت للكفّار في القيامة
فجاء بالّتي وليس فيها ألف تأسيس(9).
والتّوبة في الإصطلاح الشّرعي:
فقد اختلف كلماتهم في معناها على أقوال:
فقيل: النّدم على الذّنب لكونه ذنباً، فخرج النّدم على شرب الخمر مثلاً لإضراره بالجسم(10). وقد يزاد: مع العزم على ترك المعاودة أبداً.
والظّاهر: أنّ هذا العزم لازم لذلك النّدم غير منفك عنه(11).
وقيل: النّدم على المعصية لكونها معصية والعزم على ترك المعاودة في المستقبل، لأنّ ترك العزم يكشف عن نفي النّدم(12).
وقيل: النّدم على القبيح في الماضي، والتّرك له في الحال، والعزم على عدم المعاودة إليه في الإستقبال(13).
وقيل: ترك الذّنب لقبحه، والنّدم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة. فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التّوبة(14).
وقيل: النّدم على ما مضى من القبيح، والعزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح(15).
وقيل: ترك المعاصي في الحال، والعزم على تركها في الإستقبال، وتدارك ما سبق من التّقصير(16).
هذه بعض الكلمات في تعريف التّوبة إصطلاحاً، ويمكن تلخيصها بهذه الصّورة:
إنّه قال جماعة بأنّ التّوبة هي: النّدم على فعل المعصية لكونها معصية. وقال آخرون بوجوب إضافة قيد: العزم على ترك المعاودة، وأضاف آخرون: وجوب تدارك ما سبق من التّقصير في الأعمال إن أمكن.
(1) لسان العرب: 319، والمصباح المنير 2 / 629 مادّة نوب.
(2) لسان العرب 1 / 233.
(3) تاج العروس 1 / 161.
(4) التّبيان في تفسير القرآن 1 / 169، ومجمع البيان 1 / 174 ـ 175.
(5) وكذا في مجمع البحرين 1 / 300.
(6) انظر: مجمع البحرين 1 / 300 حيث قال: والهاء في التوبة قيل: لتأنيث المصدر، وقيل: للوحدة، كالضّربة.
(7) مفردات غريب القرآن: 76.
(8) تاج العروس 1 / 166.
(9) لسان العرب 1 / 233.
(10) رياض السّالكين: 404، ومجمع البحرين 1 / 300.
(11) جواهر الكلام 41 / 114.
(12) كشف المراد: 444، وبحار الانوار 6 / 43 نقلاً عنه.
(13) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 127، وجواهر الفقه لابن البرّاج: 251.
(14) مفردات غريب القرآن: 76.
(15) مجمع البيان 1 / 176.
(16) جامع السعادات 3 / 38.