نصوص بعض الكلمات في الشّفاعة
وقد صرّح كبار العلماء، ورجال الحديث والكلام بثبوت الشّفاعة وأنّها حقّ وأنّها واقعة يوم القيامة… ولا ريب ـ أنّهم فيما ذهبوا إليه وقالوا به ـ متّبعون للكتاب والسّنة الثّابتة و ما وصل إليهم من عقائد أئمّة أهل البيت عليهم السّلام… وإليك بعض تلك النّصوص:
1 ـ قال الشّيخ الصّدوق رحمه اللّه: إعتقادنا في الشّفاعة أنّها لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصّغائر، فأمّا التّائبون من الذّنوب فغير محتاجين إلى الشّفاعة.
قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله: «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي»(1).
وقال صلّى اللّه عليه وآله: «لا شفيع أنجح من التّوبة، والشّفاعة للأنبياء، والأوصياء، والمؤمنين، والملائكة، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضرّ، وأقلّ المؤمنين شفاعة من يشفع لثلاثين إنساناً.
والشّفاعة لا تكون لأهل الشّك والشّرك، ولا لأهل الكفر والجحود، بل تكون للمؤمنين من أهل التّوحيد»(2).
2 ـ وقال الشّيخ المفيد رحمه اللّه: أقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يشفع يوم القيامةَ في مذنبي أمّته من الشّيعة خاصّة فيشفّعه اللّه عزّوجلّ، ويشفع أمير المؤمنين عليه السّلام في عصاة شيعته فيشفّعه اللّه عزّوجلّ، وتشفع الأئمّة عليهم السّلام في مثل ما ذكرناه من شيعتهم فيشفّعهم، ويشفع المؤمن البرّ لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته ويشفّعه اللّه.
وعلى هذا القول إجماع الإمامية إلاّ من شذّ منهم. وقد نطق به القرآن وتظاهرت به الأخبار. قال اللّه تعالى في الكفّار عند إخباره عن حسراتهم على الفائت لهم ممّا حصل لأهل الإيمان: (فَما لَنا مِنْ شافِعينَ * وَلا صَديق حَميم).
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «إنّي أشفع يوم القيامة فأشفّع فيشفع علي عليه السّلام فيشفّع، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة يشفع في أربعين من إخوانه»(3).
3 ـ وقال شيخ الطّائفة رحمه اللّه في تفسير الآية 254 سورة البقرة:
وقوله: ولا شفاعة. وإن كان على لفظ العموم، فالمراد به الخصوص بلا خلاف، لأنّ عندنا قد تكون شفاعة في إسقاط الضّرر، وعند مخالفينا في الوعيد قد يكون في زيادة المنافع.
فقد أجمعنا على ثبوت شفاعة، وإنّما ننفي نحن الشّفاعة قطعاً عن الكفّار، ومخالفونا عن كلّ مرتكب كبيرة إذا لم يتب منها(4).
4 ـ وقال الشّيخ الطّبرسيّ رحمه اللّه في تفسير الآية 48 سورة البقرة:
ولا يقبل منها شفاعة. قال المفّسرون: حكم هذه الآية مختصّ باليهود لأنّهم قالوا: نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فأيأسهم اللّه عن ذلك، فخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص.
ويدلّ على ذلك: أنّ الأمّة أجمعت على أنّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله شفاعة مقبولة و إن اختلفوا في كيفيتها… .
وهي ثابتة عندنا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ولأصحابه المنتجبين وللأئمّة من أهل بيته الطّاهرين ولصالحي المؤمنين وينجّى اللّه تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين. ويؤيده الخبر الّذي تلقّته الأمّة بالقبول وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله: «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائرمن أمّتي». وما جاء في روايات أصحابنا رضي اللّه عنهم مرفوعاً إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله أنّه قال: «إنّي أشفع يوم القيامة فأشفّع، ويشفع عليّ فيشفع، ويشفع أهل بيتي فيشفعون، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كلّ قد استوجبوا النّار»(5).
5 ـ وقال المحقّق الطّوسيّ رحمه اللّه: والإجماع على الشّفاعة. فقيل لزيادة المنافع و يبطل منّا في حقّه. ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب. وباقي السّمعيات متأوّلة بالكفّار وقيل: في إسقاط المضارّ.
والحقّ: صدق الشّفاعة فيهما. وثبوت الثّاني له صلّى اللّه عليه وآله لقوله: «ادخّرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»(6).
6 ـ وقال العلاّمة في شرحه: أقول: إتّفقت العلماء على ثبوت الشّفاعة للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ويدلّ عليه قوله تعالى: (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا)(7). قيل: إنّه الشّفاعة…(8).
7 ـ وقال الفاضل المقداد السّيوري رحمه اللّه: بعد كلام له: ثمّ اعلم أنّ صاحب الكبيرة إنّما يعاقب إذا لم يحصل له أحد الأمرين:
الأوّل: عفو اللّه… .
الثّاني: شفاعة نبيّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فإنّ شفاعته متوقّعة بل واقعة لقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ)(9). وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه باللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وإقراره بما جاء به النّبيّ وذلك هو الإيمان. إذ الإيمان في الّلغة هو: التّصديق، وهو هنا كذلك، وليست الأعمال الصّالحة جزء منه لعطفها على الفعل المقتضي لمغايرتها له، وإذا أمر بالإستغفار لم يتركه لعصمته، واستغفاره لأمّته مقبول تحصيلاً لمرضاته لقوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(10).
هذا، مع قوله صلّى اللّه عليه وآله: «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»(11).
واعلم: إنّ مذهبنا أنّ الأئمّة عليهم السّلام لهم الشّفاعة في عصاة شيعتهم، كما هو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من غير فرق، لإخبارهم عليهم السّلام بذلك مع عصمتهم النّافية للكذب عنهم(12).
8 ـ وقال الشّيخ الفيض الكاشاني رحمه اللّه: الشّفاعة حقّ، والحوض حقّ.
قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله: «من لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللّه حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي. ثمّ قال: إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل»(13).
وفي رواية أخري: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ما خلا الشّرك والظّلم»(14).
وقال صلّى اللّه عليه وآله: «إنّ من أمّتي من يدخل الجّنة بشفاعته أكثر من مضرّ»(15).
وقيل: أقلّ المؤمنين شفاعة من يشفع لثلاثين إنساناً…(16).
وقال رحمه اللّه: إعلم أنّه إذا حقّ دخول النّارعلى طوائف من المؤمنين، فإنّ اللّه تعالى بفضله يقبل منهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصّالحين، وكلّ من له عند اللّه تعالى جاهٌ بحسن معاملته، فإنّ له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصاً على أن تكسب لنفسك عند اللّه رتبة الشّفاعة، وذلك بأن لا تحقّر آدميّاً أصلاً، فإنّ اللّه تعالى خبّأ ولايته في عباده، فلعلّ الّذي تزدريه عينك هو وليّ اللّه.
ولا تستصغر معصية أصلاً، فإنّ اللّه تعالى خبّأ غضبه في معاصيه، فلعلّ مقت اللّه فيه.
ولا تستحقر طاعة أصلاً، فإنّ اللّه تعالى خبّأ رضاه في طاعاته، فلعلّ رضا اللّه فيها و لو الكلمة الطيبة أو اللّقمة أو النّية الحسنة أو ما يجري مجراها.
وشواهد الشّفاعة في القرآن والأخبار كثيرة…(17).
9 ـ وقال الشّيخ المجلسيّ رحمه اللّه ما ترجمته:
الفصل الثّاني عشر: في بيان الوسيلة واللّواء والحوض والشّفاعة، وسائر منازل رسول اللّه وأهل بيته يوم القيامة.
إعلم أنّه قد تواترت أحاديث الخاصّة والعامّة في كلّ واحد من هذه الأمور، بل أنّها من ضروريات الدّين، وأنّ الإيمان بها واجب، ولا سيما الحوض والشّفاعة. ونحن نورد شيئاً يسيراً من أخبارها في هذا الكتاب، وقد ذكر أكثرها في حياة القلوب… .
وأمّا الشّفاعة، فلا خلاف فيها بين المسلمين.
ومن الضّروريات الدّينية: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله يشفع يوم القيامة لأمّته بل لسائر الأمم أيضاً… .
ولا خلاف بين علماء الإمامية: إنّ الشّفاعة هي لإسقاط العقاب عن فسّاق الشّيعة و إن كانوا أصحاب الكبائر. وأنّها ليست مختصّة برسول اللّه صلّى عليه وآله بل أنّ فاطمة الزّهراء والأئمّة الهادين يشفعون بأمر منه للشّيعة.
وتفيد الأحاديث المتكثّرة: أنّ علماء الشّيعة وصلحائهم أيضاً يشفعون…(18).
(1) عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 2 / 125، الرّقم 35، والبحار 8 / 34، الرّقم 3.
(2) الإعتقادات في دين الإمامية: 66، والبحار 8 / 58، الرّقم 57.
(3) أوائل المقالات: 79 ـ 80 ، القول في الشّفاعة، الرّقم 57.
(4) التّبيان في تفسير القرآن 2 / 306، والبحار 8 / 62.
(5) مجمع البيان في تفسير القرآن 1 / 132، والبحار 8 / 30.
(6) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 564.
(7) سورة الإسراء، الآية: 79.
(8) كشف المراد: 564.
(9) سورة محمد، الآية: 19.
(10) سورة الضحى، الآية: 5.
(11) بحار الأنوار 8 / 30.
(12) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 124 ـ 126، الفصل السّابع في المعاد.
(13) أمالي الصّدوق: 56، الرّقم 4، والبحار 8 / 34، الرّقم 3.
(14) روضة الواعظين: 501 والخصال 2 / 324، الرّقم 36، أبواب السّبعة وفيه: وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم.
(15) أخرجه أحمد في مسنده 5 / 313 وابن ماجه في سننه 2 / 1446 والحاكم في مستدركه 1 / 71 وغيرهم.
(16) المحجّة البيضاء 1 / 253.
(17) المحجّة البيضاء 8 / 348 ـ 349.
(18) حق اليقين: 206 ـ 213، الحجريّة.