معنى الشّفاعة و أثرها
الشّفاعة في اللّغة: السّئوال في التّجاوز عن الذّنوب والجرائم(1).
وأضاف الشّيخ الطريحي رحمه اللّه قوله: ومنه قوله صلّى اللّه عليه وآله: أعطيت الشّفاعة.
وقال الرّاغب: الشّفاعة: الإنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه. وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمةً ومرتبةً إلى من هو أدنى، ومنه الشّفاعة في القيامة: قال: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا (لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) (لا تُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا) (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى…)(2).
والّذي تفيده الآيات والرّوايات: إنّ الشّفاعة لا تقع إلاّ برضى من اللّه تعالى وإذن منه… فليست الشّفاعة في القيامة جزافية، وليس الحكم فيها إلاّ للّه، فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، إلاّ أنّه يأذن لأنبيائه وأوليائه وعباده الصّالحين ـ برحمة منه ولطف لعباده ـ في أن يشفعوا فيشفّعهم تعالى فيهم.
ولذلك يقول تعالى: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا)(3).
ويقول عزّ من قائل: (يَوْمَئِذ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)(4).
ويقول سبحانه: (لا تُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى)(5).
ويقول عزّوجلّ: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى…)(6).
إلى غير ذلك من الآيات(7).
ودلّ الكتاب والسّنة وكلمات العلماء: على أنّ الكفّار والمشركين والنّواصب لا تنالهم الشّفاعة، بل إنّها تخصّ المذنبين من المؤمنين، لأنّهم الّذين ارتضى اللّه تعالى دينهم واعتقادهم.
وليست الشّفاعة مجرّد توسّط ـ قد يؤثّر وقد لا يؤثّر ـ بل إنّها عهد من اللّه تعالى لجملة من عباده، ومنحة منه لصفوة خلقه، فلابدّ من إجابة طلبهم، وإظهار شأنهم ومنزلتهم وقربهم منه سبحانه تعالى.
وبعد أن علم أنّه لا يفوز الكافرون والمشركون والمجرمون، وأنّها تخصّ المذنبين من المؤمنين وهم أهل الكبائر ـ كما نصّت على ذلك الرّوايات ـ … .
فإنّ أثرهذه الشّفاعة يكون باسقاط العقاب، ورفع العتاب، وبعبارة أخرى: أنّه عند ما يشفع الشّفيع للرّجل المجرم المرتكب للكبيرة غيرالتّائب منها، تقبل شفاعته فيه، وبذلك يخرج عن كونه مستحقّاً للتّعذيب بالعقوبة المعينة لتلك الكبيرة، ويدخل في رحمة اللّه ورضوانه… .
وعلى هذا إتفق الإمامية… ووافقهم عليه أكثر العامّة.
هذا، وقد نصّ المحقّق الطّوسيّ والعلاّمة رحمهما اللّه، على أنّ الشّفاعة قد تكون سبباً لزيادة المنافع أيضاً، فهي نافعة لدفع المضارّ وزيادة المنافع معاً عندهما.
وأمّا المعتزلة، فقد ذهبوا إلى أنّ الشّفاعة لا تقع ولا تنفع إلاّ في زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثّواب لإيمانهم، وأمّا إسقاط العقاب والمضارّ فلا يكون، لوجوب تعذيب أصحاب الكبائر الّذين لم يتوبوا، لأنّهم أوعدوا به، والوفاء بالوعيد واجب كالوفاء بالوعد من غير فرق.
(1) النهاية في غريب الحديث 2 / 485، ولسان العرب 8 / 184، ومجمع البحرين 2 / 523، وشرح أصول الكافي 12 / 89 .
(2) مفردات غريب القرآن: 263.
(3) سورة مريم، الآية: 87 .
(4) سورة طه، الآية: 109.
(5) سورة النّجم، الآية: 26.
(6) سورة الأنبياء، الآية: 28.
(7) وقد تقدّم البحث عنها في الصفحة: 56.