مع ابن حجر
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني بشرح الحديث من كتاب المغازي:
«قيل: ان في الحديث تقديماً وتأخيراً، و الصواب: نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الانسية وعن متعة النساء.
ويوم خيبر ظرف لمتعة النساء، لانه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح، ان شاء الله».
ثم انه أورد في كتاب النكاح بشكل مبسوط، أحاديث المسألة وكلمات البيهقي والسهيلي وابن عبد البر وغيرهم حولها، ثم قال: «لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن علياً لم يبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب كما سيأتي بيانه. ويؤيد ظاهر الحديث على ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله: ان رجلا سأل ابن عمر عن المتعة، فقال: ان فلاناً يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين»(1).
أقول: لقد حمل الدفاع عن البخاري الحافظ على نسبة الخطأ والجهل الى أميرالمؤمنين وباب مدينة علم رسول رب العالمين ـ علهيما الصلاة والسلام ـ في هذا الحديث ـ على ما رووه، ونعوذ بالله من تعصب يقود صاحبه الى مهاوى الهلاك.
ولكن يتضح بطلان ما زعمه الحافظ هنا من كلام (الدهلوي) ووالده شاه ولي الله في كتاب (فرة العينين)… فقد قال (الدهلوي) في الجواب عن مطاعن عمر بن الخطاب ما هذا ترجمة:
«المطعن الحادي عشر ـ نهيه الناس عن متعة النساء وتحريمه متعة الحج، مع ان كلتيهما كانتا جاريتين على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله. وقد ثبت هذا باعترافه كما في كتب أهل السنة، اذ يروون عنه أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أنهى عنهما.
والجواب: ان أصح الكتب عند أهل السنة هو: صحيح مسلم، وقد أخرج فيه عن سلمة بن الاكوع وسبرة بن معبد الجهني، وأخرج في غيره من الصحاح عن أبي هريرة: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّم المتعة بعد أن رخصها ثلاثة أيام في حرب الاوطاس تحريماً مؤبداً الى يوم القيامة. ورواية الأمير في ذلك مشهورة متواترة بحيث رواها عنه أحفاده، وهي ثابتة في المؤطأ وصحيح مسلم وغيرهما من الكتب المعروفة بطرق متعددة.
وأما شبهة بعض الشيعة بأن التحريم وقع في غزوة خيبر وأحلت في غزوة الاوطاس مرة أخرى فيردها: أنها ناشئة من من الخلط وسوء الفم، فان الذي في رواية علي في غزوة خيبر هو تحريم الحمر الانسية لا تحريم المتعة، لكن العبارة توهم كون غزوة خيبر تاريخ تحريمهما جميعاً. وقد حقق هذا الوهم بعضهم فنقلوا ـ بناءاً على ذلك ـ أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر، ولو كان الأمير يحدّث تحريم المتعة مؤرخاً بغزوة خيبر، فكيف يمكنه الرد والالزام في كلامه مع ابن عباس، مع أنه ذكر هذه الرواية، حين رد عليه وألزمه، وزجر ابن عباس عن تجويزه المتعة زجراً شديداً، وقال له: انك رجل تائه.
فمن قال: ان غزوة خيبر ظرف لتحريم المتعة، فكأنه قد ادعى وقوع الغلط في استدلال الأمير، وتكفي دعواه هذه شاهداً على جهله وحمقه»(2).
أقول: وحاصل هذا الكلام بطلان الاحاديث الواردة في أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عن المتعة يوم خيبر. ويدل أيضاً على جهل البخاري ومسلم وغيرهما من رواة هذه الاحاديث والمعتمدين علهيا، باعتبار أنها لو كانت صحيحة لا قتضت بطلان استدلال أميرالمؤمنين عليه السّلام…
ويدل هذا الكلام على حمق الحافظ ابن حجر ومن تبعه، لنسبتهم عدم بلوغ القصة أميرالمؤمنين عليه السّلام.
هذا، وليراجع كتاب (تشييد المطاعن) للوقوف على نقض مازعمه (الدهلوي) على الامامية في هذا المقام.
(1) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري 9/138.
(2) التحفة الاثنا عشرية ـ باب المطاعن.